يصادف هذه الأيام بعد عيد الميلاد بضع إحتفالات ليتورجيا ففي اليوم الثاني بعد الميلاد «عيد حافل» لوالدة الإله، وفي الـ29 تذكار الأطفال الذين قتلهم هيرودس، ثم الأحد بعد العيد ، وفي كل من هذه الأيام الثلاثة نلاحظ تكرار الإنجيل الإلهي المقدس بحسب الطقس البيزنطي.
وللمناسبة تامل بالأطفال الذين يقتلون يوميا في الأراضي الفلسطينية. ونحن لا نملك حيال ذلك إلا إن نصلي لاجلهم ونقدم ما نستطيع من الغذاء والدواء عبر القنوات الكنسية والرسمية في الأردن الذي لا يكل ولا يمل من تقديم المساعدة بتوجيهات ملكية سامية.
وهنا أورد ما كتب سيادة المطران جورج خضر في هذا السياق لتعم الفائدة حيث يشرح المعاني الروحية و المفاهيم اللاهوتية الواردة في الإنجيل :
يقول :
الإنجيل واحد: «لما انصرف المجوس» من بشارة متى، بحيث اذا توالت الأيام نبقى ملازمين الطفل الإلهي.
هنا ينتصب هيرودس مصمما على قتل مسيح الرب. ولكن يوسف كان قد هرب بيسوع وأُمه إلى مصر. هل المقصود بكلمة «مصر» برية سيناء، وحدودها الشرقية لم تكن بعيدة عن بيت لحم؟ وفي سيناء حيث لا سلطة لهيرودس يكون يسوع في مأمن من الملك.
مقتل الأطفال ينسجم مع طباع هيرودس الذي قتل لأسباب سياسته ناسا كثيرين ومنهم ابنه وأقرباء له. كثيرون يتشبّهون بهيرودس. انهم أولئك الذين يودّون ان يقتلوا المسيح في قلوب أحبائه أو أولئك الذين يريدون القضاء على الكنيسة المسيحية. غير ان الله الذي قال: «مِن مصر دعوتُ ابني» هو يدعونا من ظلمة القهر إلى نوره العجيب. مصر في الكتاب صورة العدم والعبودية. منهما تستنهضُنا النعمةُ إلى أرض الميعاد أي إلى موعدنا مع الله وهذا يتجلى طقسيًا في عيد الظهور الإلهي (الغطاس).
هؤلاء الأطفال ماتوا من أجل الطفل يسوع. علينا ان ننتبه إلى الأطفال إخوتنا فلا نقسو ولا نرتكب خطيئة أمامهم فهذا قتلٌ لنفوسهم.
«راحيل تبكي على أولادها». هي جَدّة بنيامين وافرايم اللذين استوطنت عشيرتاهما المنطقة، وقبرها هناك على نصف الطريق بين القدس وبيت لحم. هذا بكاء الانسانية جميعًا بسبب من الظلم. يسوع والذين استُشهدوا من أجله صورة عن كل المضطَهدين في الأرض. وسوف ينبّهنا السيد أن «طوبى للمضطهَدين من أجل البِرّ».
بعد هذا الانكفاء في «مصر»، يعود الطفل يسوع مع ذويه إلى فلسطين لكون هيرودس قد مات. وهيرودس كان ملكا على اليهودية أي المنطقة التي حول أورشليم واسمها اليهودية. الخوف كان من الملك الجديد أرشيلاوس. لهذا أراد يوسف ان يذهب إلى الجليل وسكن الناصرة.
مدينة النفي صارت المدينة التي نشأ فيها يسوع نشأة بشرية وتعلّم فيها العمل اليدوي أي أن يبدو من عامّة الناس، من بسطائهم. وكان هناك مطيعًا لأبويه. وكان يوسف يعلّمه الكتاب المقدس حسب تقاليد اليهود. وعندما ناقش علماء اليهود في الهيكل وهو في الثانية عشرة من عمره، كان مزوّدًا بالمعرفة التي كان يأخذها في البيت وتلك التي يأخذها من علماء اليهود في الناصرة.
وذاع صيته على أنه كان يعرف الكتب المقدسة وعلى أنه معلّم. ولهذا «لما دخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ فدُفع اليه سفر إشعياء النبي» (لوقا 4: 16). «ثم طوى الكتاب وسلّمه إلى الخادم وجلس وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه» لأنهم كانوا ينتظرون ان يعظهُم وان يفسر لهم نبوءة إشعياء التي قرأها.
من بعد الناصرة علّم في كفرناحوم في السبوت ثم امتدّ إلى كل مجامع الجليل. لا ينبغي أن نتعجب من كون السيد المبارك كان يدرس الكتب. هذا بعضٌ من بشريته. فالكتاب يقول عنه انه «كان يتقدّم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس». إن أُلوهيته لم تُفرغ بشريته من الارتقاء حسب قواعد النمو عند كل البشر. هذا كان مِن سرّ تواضعه الذي سيتجلى أيضًـا في عيد الظهور لما نزل إلى النهر ليعتمد.