ننشر تاليا رسالة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أوراشليم وسائر أعمال فلسطين والأردن كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث الجزيل الإحترام بمناسبة عيد الميلاد المجيد.
قدس الأباء الكهنة والشمامسة الأجلاء والكلي الورع بناتي وأبنائي المحبوبين بالرَّب في كرسينا الرسولي الأوراشليمي المقدس وأبنائنا القاطنين في كل المعمورة إِني أَشاهِدُ سِراً غريبًا باهرا، المغازة سماة والعذراء غرشا شاروبينها، والمدود مخلا شريفا ، الذي إضجع فيه المسيح الإله، غَيْرُ المؤسوع في مَكَانٍ، فَلْنُسبحْهُ مُعْظَمِينَ”. حقاً لقد رأتِ البشرية عند نهاية الأزمنة سراً غريباً باهراً كما يقول مرنم الكنيسة، في عهد أوكتافيوس أغسطس قيصر، إذ عاينت تنازل الله جلياً في بيت لحم، لقد حقق الله وعودَهُ للأنبياء إذْ “أرسل فداءً لشعبه”. وهذا الفداء هو ابن الله الوحيدِ وكلمتُهُ المساوي للآبِ في الجوهر. لهذا فإنَّ الآب سر بأن يتجسد الابن وأن يأخذ جسداً وصورةً بشرية حيةً وعاقلةً من الروح القدس ومن الدائمة البتولية مريم، كما علم وشاءَ وارتضى ويقول الإنجيل يوحنا وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا (يو 1: 14) لإجلنا أخلى ذَاتَهُ في 2 (7. ولقدْ وُلِدَ في المغارة مُتنكراً واقتبل الفقر الأقصى مولوداً في مغارة مُضجَعاً في مدودٍ مُدرجا في الأقمطة وفي هذا الفقرِ ظَهرَ غِنى لاهوتِهِ متلالناً. لهذا فإنَّ السَّمَاءَ قَدَّمَتْ لَهُ المجوس بواسطة النّجمِ كباكورة الأمم. (وسابقي الكنيسة بحسب القديس يوحنا الذهبي الفم، وملاك من السماء أعلن مولدَهُ للرعاة الساهرين وجمهورُ الملائكة بشروا به من السماء بالتسبيح “المجدُ للهِ في الأَعالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلامُ، وَفي أُناسٍ الْمُسَرَّةُ، معلنين بأنَّ مسرة الله للبشر هي السَلامُ هذا السَلامُ الإلهي الذي يفوقُ فهم العَقلِ يأتي إلى العالم بكلمة الله المتجسد، يسوع المسيح؛ إنه “رسول الرأي العظيم ورئيس السلام وشمس البر.”
أيُّها الأحباء؛ إِنَّ الكنيسة مؤسَسَةٌ على هذا الاعلان الالهي بشهادة شهود العيون والآذان في الكتب المقدسة، تُؤْمِنُ وتُبَشِّرُ أعضاءَها في العالم أجمع، بأنَّ المسيحَ هوَ المُخلِصُ وفادي الجنس البشري، لا كإنسان مُؤَلَّهِ بَلْ كَإلهِ مُتأَنَسٍ لأجلِ الخلاص أي تأليهِ الإنسان. لقد انحدر الله إلى الأرض ليرفع الإنسان إلى السماءِ حيثُ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ في 3 (2) بحسب بولس الذي عبر إلى السَّماواتِ. إِنَّ آبَاءَ الكنيسة يقولون دائمًا وبدونِ توقف بأنّهُ تأنَّسَ الإلهُ لكي يتألّه الإنسانُ. وأما القديس غريغوريوس بالاماس يُكرِزُ بأنّهُ تَمجد الجسدُ عِندما أخذَهُ المسيحُ ، ومَجدُ الألوهيةِ يُصِبحُ مجدَ الجَسَدِ. وبتأنُسِهِ وصلبه وقيامته من بين الأمواتِ وصعودِهِ، جَلسَ المسيح كاله وإنسان عنْ يَمِينِ الآبِ مَع طَبيعَتَهِ البشريّة التي أخذها ، أي “جسده” بحسب الآباء، وصنع طريق التألهِ لكل المؤمنينَ بِهِ. وبعد أنْ صَعِدَ المتأنس ربُّنا يسوع المسيح والمصلوبُ بالجَسَدِ والقائم من بين الأموات إلى السَّماواتِ، تَركَ على الأَرْضِ الكنيسة الذين هم القديسون التلاميذ والرسل وخلفاؤُهُم رؤساء الكهنة والكهنة والرعية المسيحيةُ، لكي تُكمل عملَهُ إلى الأبد، أي التعليم والمصالحة وتقديس النَّاسِ حَتَّى يعُمَّ ويسود على الأرضِ ما سُمِعَ في الليلةِ الأولى من ميلادِهِ: المجد الله في العلى وعلى الأرض السلام وفي أُناسٍ المسرة. بناتي وأبنائي الأعزاء؛ إِنَّ الكنيسة في كل مكانٍ في الأرضِ وبخاصة كنيسة أوروشليم المباركةِ تُكرِزُ بهذا القول وتقوم بهذا العمل طاعةً لمؤسّسها ، وإذْ تَخدُمُ في أمَاكِنِ ظُهوره بالجسدِ ، وأولها مدينة بيت لحم. في كنيسة المهدِ الملوكية، وفي هَذهِ المغارة البسيطة المتواضعة القابلة للإلهِ سَتَحتَفِلُ هَذهِ السَنةَ أيضاً أمُّ الكنائس مبتدئةً بأوروشليم، محافظةً على تقليدها العريق منذُ أيام الزائرة الحاجة إيثريا وسَلَفِنا السعيد الذكرِ البطريرك صفرونيوس. وتَحتَفِلُ أيضاً هذهِ السَنةَ أمُّ الكنائس بِبَساطةٍ وتواضع بدونِ مظاهر الاحتفال، لأَنَّ رَاحِيلَ أُخْرَى تَبْكي، على ضحايا الحرب المدمرة في غَزةَ وفي المنَاطِقِ الشاسعة، وتُنَا شِدُ الكَنيسةُ حُكّامَ
العَالمِ الذين لديهم القوّةُ والمَقدِرَةُ لِوقفِ الأعمَالِ الحربيّةِ العدائيّةِ منْ أجلِ حِمايةِ كُلِّ نَفْسٍ بَشريّةٍ؛ لأنها صورةُ اللهِ. هَذِهِ الْحَرْبُ الَّتِي ارْتَقَى صَحِيتها العشرات مِنَ الْمُدْنِيِّينَ، غَالِبِيتُهُم مِنَ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ، وَدُمِرَتْ خِلَالَهَا أَحِيَاءُ سَكَنِيَّةٌ بِرُمْتِهَا ، وَمَدَارِسَ وَمُسْتَشْفَيات وكنائس ومساجد وَمَرَاكِزَ ثَقَافِيَّةٍ وَآثَارَ تَارِيخِيَّةٍ، لِتَكُونَ شَاهِدًا عَلَى مَدَى الشَّرِ الَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ بِهِ الإِنسَانُ. فَتُرَفَعُ دَعَوَاتُنَا لِرَبِّنَا الْعَلِيِّ الْقَدِيرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولُ السَّلامِ، لِيَرْفَعَ الظُّلْمَ وَالْعَذَابَ عَنْ أَهْلِنَا فِي غَزَّةَ والضفة الغربية، وَيُمْنِحُهُمْ الْأَمَانَ وَالسَّلَامَ وَالطَّمَأْنِينَةَ، لِأَنَّنَا نَتَوَجَّعُ لِوَجْعِهِمْ، وَنَتَأَلَّمُ لِأَلمِهِمْ، ومع صلواتنا لكي يبقى القديس بورفيريوس حامياً للرعيّةِ ولكلِ مِنْ هُمْ في ضيقٍ ورُزِءٍ شَديدٍ بِسبب الحرب المشتعلة. ايُّها الأبناء الأحباء، إنَّنا وبهذه المواسمِ الإلهيَّة المقدَّسة نبارك في كنيستنا الأورشليميَّة المقدَّسة رَعِيَّتَنا فِي الْمَمْلَكَةِ الْأُرْدُنِيَّةِ الْهَاشِمِيَّةِ هَذِهِ الرَّعيَّةُ الَّتِي تَحْيَا بِسَلَامٍ فِي كَنَفِ وَحِمَايَةِ المَمْلَكَةِ الْأَرْدُنَيَّةِ الهاشمية المحفوظة مِنَ اللهِ، بَلَدَ الدّيمقراطية والمشورَةِ الحَسَنَةِ الَّتِي تَقُومُ عَلَى الحُريَّة والعيش المشترك. تَحْتَ حُكْمِ وَقِيادَةِ جَلالَةِ المَلِكِ الْمُعْظَمِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّانِي ابْنَ الحُسَيْنِ، صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في الأراضي المقدسة، الوارِثُ الأمينُ لِلْعُهْدَةِ التاريخية بَيْنَ القِديس بَطْرِيَرْكِ القُدْسِ صِفْرُونَيُوسُ وَالْفاروقِ الخَلِيفَةُ عُمَرُ بْنِ الخَطَّابِ. كما نبارك رعيتنا في عموم فلسطين وأبنائنا في كل بلادِ المهجر متمنين لهم الصحة والتوفيق وعام خلاصي ووافر بالمحبة والبركات والسلام. مدينة بيت لحم المقدَّسَةِ الميلاد المجيد 2023 الداعي لَكُم بحرارةِ للرَّبِ ثيوفيلوس الثالث بطريرك المدينة المقدسة أوروشليم