المغطس ليسَ أقلُّ دلالةً على حالةِ الوئامِ الدِيني (بمناسبة الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان 2024)


مركز أبحاث المغطس بقلم
القس سامر عازر

في الثاني عشر من كانون الأول للعام 2022 أجرَت الصحفية ومذيعة الأخبار الرئيسية لقناة سي إن إن الدولية بيكي أندرسون مقابلة هامة مع صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم في الموقع التاريخي لعمّاد السيد المسيح/ المغطس، وهذه المقابلة تحمل دلالات هامة وخصوصاً لأهمية هذا الموقع المقدّس ليس فقط من الناحية الدينية والتاريخية كواحدٍ من أهم المواقع المسيحية في العالم، بل أيضاً على أهميته في عمق وأصالة ومتانة العلاقات الإسلامية-المسيحية في المملكة الأردنية الهاشمية وحالة الوئام الديني.

فقد أشار جلالته في تلك المقابلة إلى شمولية هذا الموقع وأهميته للمسيحيين والمسلمين على السواء، فما نسبته 15% من الزوار للموقع هم مسلمين، فالسيد المسيح (عيسى بن مريم)، ذكر في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة، وكان قد تَعّمد من قبل النبي يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) في بيت عنيا عبر الأردن شرقي النهر المقدس، وله مكانته الخاصة ووقاره الخاص لدى المسلمين كونُه المسيّا، وكذلك فالسيدة القديسة مريم العذارء هي أقدس وأشرف خلق الله بين النساء في التاريخ، وذكرت في القرآنِ الكريم أربعةً وثلاثين مرة، وهناك سورة كاملة باسم سورة مريم. فهذا الموقع المقدَّس مدعاةٌ لكسر كلِّ الحواجز والعراقيل التي تُعيق إبرازَ أهمية الموقع الدينية والتاريخية، وما يتضمنه ذلك من قوة ومتانة العلاقات المميزة بين المسلمين والمسيحيين في الأردن.

ومنذ إعادة إكتشاف الموقع في العام 1995 وأهميته من الناحية التاريخية والدينية والأثرية والتراثية والوئامية، قام المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه بتعيين لجنة ملكية للأشراف على الموقع برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال المعظّم في العام 1997. وفي العام 1999 عهد صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم برئاسة مجلس أمناء هيئة موقع المغطس إلى صاحب السمو الملكي الأمير غازي بن محمد المعظّم، والذي شهد الموقع بإدارته العديد من أعمال التنقيب والترميم والصيانة والرعاية والتطوير المستمر، الأمر الذي ساهم في تسجيل الموقع على قائمة التراث العالمي وإعتماده كأحد أماكن الحج المسيحي العالمية، مما إنعكس إيجابياً على ترويج الأردن كواجهة للسياحة الدينية وإبراز دور ورسالة الأردن في الوسطية والإعتدال والوئام الديني .

ويعتبر هذا المكان المقدّس اليوم شاهداً حيّا على دور القيادة الهاشمية في الوصاية والرعاية على المقدسات الدينية المسيحية كما الإسلامية، وذلك لما تجسده هذه المقدسات من أهمية دينية وروحية وتاريخية تعزِّزُ قيمَ المحبَّةِ والتسامحِ والأخوّةِ والوئامِ الديني بين أتباع الأديان، وبناء جسور التفاهم والسلام بين كافة الأديان والثقافات، والتي أحوج ما يحتاج إليها عالم اليوم. وبسبب جهود جلالته في الإهتمام بهذا الموقع الديني الهام ولدوره في تعزيز الوئام الديني والذي يحتفل به في الأسبوع الأول من شباط من كل عام، حيث يصادف هذا العام الذكرى الرابعةَ عشرةَ لتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة لمبادرة صاحب الجلالة بأن يكون الأسبوع الأول من شباط من كل عام أسبوعا عالمياً للوئام بين الأديان، فقد حظي جلالته، ومعه الأردن، بتكريم العالم، حاصدا جوائز عالمية هامة كجائزة تمبلتون للسلام في واشنطن، مصباح أسيزي للسلام في إيطاليا، وجائرة الأخوة الإنسانية في الإمارت العربية المتحدة وغيرها. ولذلك أصبح الأردن اليوم إيقونةً عالميةً في الوئام الديني، ونموذَجًا حيّا في الأخوة الإسلامية- المسيحية، وحوار الحياة المفضي إلى بناء الوطن والذود عن ثراه بتعاون وتكاتف كافة سواعد أبنائه الأردنيين تحت ظّلِ الراية الهاشمية المباركة.

وليس غريبا على قيادتنا الهاشمية الحكيمة أن تنظر إلى المسيحيين بإعتبارهم جزءًا من النسيج المجتمعي، وبأنَّهم جزءٌ من ماضي بلادنا، وحاضرنا ومن مستقبلنا، وبأنَّ واجب الدفاع عنهم وعن وجودهم في المشرق العربي هو واجب وليس منّة، ففي الأردن والقدس تواجدات أقدمُ المجتمعاتِ العربية المسيحية في العالم. وعلى مدار أكثر من ألفي عام ساهم العرب المسيحيون في بناء الحضارة العربية والإسلامية. والأردن منذ تأسيسه حافظ على وحدة العشائر الإسلامية والمسيحية، وقدّم الحمايةَ اللازمةَ حتى للأرمن والسريان الفارين إليه، وكان له بصمات واضحة في احتضان اللاجئين المسيحيين الفارين من العراق وسوريا الفارين من بطش جماعة داعش، وكذلك في دعم صمود أهل غزة المسيحيين في الإنزال الجوي السابع على كنيسة القديس بوفيريوس.

وخلاصة القول أن موقع المغطس التاريخي شرقي نهر الأردن هو شهادة حيّة على أصالة حالة الوئام الديني الذي تجسّده الحالة الأردنية تحت ظل الراية الهاشمية.