إلى الجنوب من محافظة المفرق، شمال شرقي الأردن، تقع مدينة رحاب، الغنية بالمواقع الأثرية التي تعد شاهداً على أقدم الحضارات التي تعاقبت على منطقة بلاد الشام التاريخية.
في الجهة الشرقية الجنوبية من مدينة رحاب (12 كم من مركز مدينة المفرق)، تقع كنيسة “القديس جورجيوس”، وهي واحدة من 30 كنيسة موجودة بالمدينة الأثرية، وتعود لعام 230 ميلادية، وتعتبر من أقدم الكنائس التاريخية على مستوى العالم، تم اكتشافها عام 2002.
وتشير الدلائل والمعطيات التي توصل اليها الباحثون إلى أن الكنيسة أُنشأت عبر جماعة (قالت بعض الروايات التاريخية إنها تتكون من 70 شخصاً)من سكان المنطقة اعتنقت الديانة المسيحية التوحيدية سراً خوفاً من اضطهاد الدولة الرومانية الوثنية، وأقامت كهفاً لممارسة عبادتهم سراً، يمثل الآن القسم السفلي للكنيسة.
وبعد منتصف القرن الرابع الميلادي، أصبحت الديانة المسيحية جهرية، وهو ما يؤكده بناء القسم العلوي من الكنيسة أعلى الكهف الذي كان يستخدم للتعبد سراً.
واستدل الباحثون الأثريون على أن الجزء السفلي (الكنيسة الكهفية) كانت مكان للعبادة، رغم قدم بنائها من خلال “الحنية” (القبو) قوسية الشكل المتجهة نحو الشرق، ما يؤكد أن الكهف أدى طقوس دينية سرية.
وتضم الكنيسة ثلاث مقابر قديمة، يعتقد الباحثون بأنها لرجالات دين مسيحي مهمين.
وتتميز المقبرة ببنائها على الطراز الكهفي النادر، ويتم النزول إليها بدرج مغطى بالحجر، وهي بيضاوية الشكل بعرض 7 متر وطول 5 متر.
وعثر في موقع الكنيسة على مسكوكات وفخار ونقوش، تغطي تلك الحقبة التاريخية.
ويحتوي الجزء العلوي للكنيسة التي بنيت بعد منتصف القرن الرابع الميلادي على نقش فسيفسائي كتب عليه “باسم الثالوث المقدس، تمت التقدمة من قبل أحباء الله السبعين وصاحب القداسة رئيس الدير المحق، وقد أنجزت باسم المنتصر المظفر القديس جورجيوس، وذلك في شهر أبيلليون (نوفمبر) في الزمن الثامن عشر من العام 124 (تقويم قديم خاص بتلك الجماعة)، وكتبت بجهود وغيرة سوجرجيوس المسؤول”.
وعلى جانبي اللوحة الفسيفسائية، يوجد غرفتان، جنوبية لتعميد الأطفال، وشمالية لتغيير الملابس للكهنة ورجال الدين وتخزين هدايا الكنيسة.
ورغم عدم الترويج للكنيسة، التي اكتشفتها دائرة الآثار العامة الأردنية (حكومية)، فإنها تعد مقصداً للسياح من مختلف دول العالم، حيث يزورها المئات سنوياً.
مدير آثار المفرق اسماعيل الملحم، قال :”إن الكنيسة بدأت على مرحلتين زمنتين، الأولى عام 230 ميلادياً وكانت كنيسة كهفية في مرحلة الديانة المسيحية المبكرة، وهي عبارة عن مكان لأداء الطقوس الدينية، منحوتة بالصخر”.
وتابع “الكهف يتسع لما بين 50 إلى 70 شخصاً كانوا يؤدون طقوسهم الدينية بسرية تامة”.
أما الكنيسة العلوية، فقد بين “بأنها رصفت أرضيتها بالفسيفساء، ووجد بالقرب من الهيكل نقش يشير لتاريخ بنائها، ويعتبر تاريخ مبكر جداً”.
وزاد “الكشف عن الكنيسة تم عن طريق فريق من دائرة الآثار الأردنية عام 2002، وأجريت التنقيبات والصيانة اللازمة”.
وأوضح “نحن نعول على أن تكون هذه الكنيسة نقطة استقطاب للسياح، لأن المنطقة تعج بالمواقع الأثرية، والكنيسة من أقدم المواقع على مستوى العالم