المؤمن الحقيقي لا ينخدع بالمظاهر الخارجيّة، بل يذهب إلى فحص كلّ شيء حتى لا يسقط. فالإيمان لا يلغي العقل، بل ينيره. لهذا يدعونا الحكماء إلى عدم التسرّع في الحُكْمِ على الآخر استنادًا إلى المظاهر، والوقوف على دقائق الأمور، حتّى ندرِك أنّ الحقيقة مختلفة عن المظهر، سلبًا أو ايجابًا.
لا شكّ أنّ “المظهر” موجود في كل شيء، في الملبس، في المسكن، في المأكل، في التصرّفات، ولا سيّما في الحياة الدينيّة. وقد يكون هنا المظهر الاكثر خدوعًا، لذلك نبّهنا يسوع المسيح في إنجيل متّى قائلًا: “اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ”! (متّى ٧: ١٥). الأنبياء الكذبة هم مَن يعلّمون تعاليم غريبة عن الكنيسة، ويخدعون الناس بمظهرهم اللطيف، وعطاءاتهم المشبوهة، ولكن قلوبهم في الداخل وحشيّة قاسية. يفكّرون في داخلهم في ما هو لمصلحتهم، وليس لمجد الله كما يدّعون. لهذا يحذّرنا المسيح منهم، والثبات في الكنيسة. أمّا قوله “ثياب الحملان”، أي أنهم ذئاب لهم مظهر الحملان، فقصد به تمظهرهم بالتقوى والفضائل ليخدعوا البسطاء، ويبعدونهم عن الكنيسة واجتماعاتها، ويربطونهم باجتماعات غريبة، ويخدعونهم بأن هذا هو التفسير الصحيح لكلام الله، لا كنيستهم الأم.
هذا التشّويه، هو ما أشار إليه المسيح من خلال حياة الفرّيسيّين المرائين، الذين شبّههم بالقبور المكلّسة. أولئك يهتمّون بهذه القبور ويطلونها باللون الأبيض، فتظهر جميلة من الخارج. أما في الداخل، فتوجد العظام والرائحة الكريهة، مثل الشرّ الذي في قلوبهم. مظهرهم تدقيق وتمسّك بالعبادة، أمّا قلوبهم فقاسية وسلوكهم شرير.
من هنا علينا التنبّه والتنّبيه من هؤلاء، والحذر من اعمالهم وزياراتهم، التي يتقصّدونها في وقت القدّاس، واغراءاتهم المادية والمعنويّة، وبالتالي تحصين أنفسنا بالمعرفة الدينية والروحية الصّحيحة، التي نلناها من جرن معموديتنا وتعاليم كنيستنا، والانكباب على قراءة الكتاب المقدّس ومعرفته، والتعمّق في التفاسير التي تلقّيناها من آباء الكنيسة القدّيسين.
المظاهر خدّاعة بالإجمال، ولنا كلامٌ في هذا لاحقًا، كم بالأحرى عند الذين يسعون للقضاء على ايماننا، وعقائدنا، وتراثنا، وليتورجيتنا، وفكرنا الآبائي الأصيل. المبتدع مصرّ على الانحراف عن الحق وتعاليم الكنيسة، وبهذا حَكم على نفسه أنه مبتدع ومفروز من الكنيسة وليس عضوًا فيها ولا ينتظره إلا الهلاك. لذلك أعرِضوا عن المعلّم الكاذب الذي ينادي بتعاليم غريبة عن الكنيسة، هكذا علّمنا بولس الرسول قائلًا: “اَلرَّجُلُ الْمُبْتَدِعُ بَعْدَ الإِنْذَارِ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ، أَعْرِضْ عَنْهُ” ( تيطس ٣: ١٠).
نقلا عن موقع النشرة