“ولّما أنفق كلّ شيء، اجتاحت مجاعةٌ ذلك البلد” (لوقا 15: 14)
بالواقع محور إنجيل الابن الضال هوّي بيّ سماوي محبّ رحوم بيحترم حريّة كل ابن من ابناؤ، وما بيهزأ بأي مغامرة من مغامرتن، بيّ يريد الحياة لابنو الخاطي لا العقاب والموت، بيّ صبور طويل الأناة ينتظر بحبّ متألم مضطرم بالشوق والتضرّع والصلاة ليرجع لئلو ابنو الضال بتوبة حرّة وصادقة ليغمرو بمغفرتو، مغفرتو اللي هيّي حبّ فائق، حبّ لا يدين بل يرأف بالضعف، حبّ فائق لا يحكم بل يتحنّن ويبلسم الجراح، حبّ فائق لا يجازي ويقاصص بل يدفق حنان ولطف وعذوبة، حبّ فائق لا يطالب بتعويض بل يدفق بالحياة ويرممّ بنوّة تجرّحت وتشوّهت بالخطيّة.
ومن بين الأمور الغنيّة اللّي بيضويلنا عليها الإنجيل هوّي مفهوم الخطيّة بجوهرها وحقيقة نتايجها على المؤمن نفسو، وعلى الله، وعلى اخوتنا البشر، وحتى على الكون.
فيسوع أراد بموقف الإبن الأصغر من بيّو يعلّمنا شو هي الخطيّة بالعمق: قرار حّر بالانفصال عن شركة المحبّة مع البي السماوي، ومع البيت الابوي يعني الجماعة الكنسية؛ والخطيّة هي فَكّ الارتباط بوصايا الله والكنيسة، والعيش عراسنا بلا مرجعيّتن، بالخيارات والقرارات والعيش (أنا سيّد ومرجعيّة ذاتي).
وأراد يسوع يفرجينا نتايج الخطية بما صارت عليه حالة الإبن الأصغر بانفصالو عن الشركة مع البيّ السماوي والجماعة الكنسيّة: حريّة كاذبة، ملذات عابرة، تبديد لعطايا مش تعبان فيا، وانحطاط إنساني وخسران كرامة (يرعى الخنازير)، عبوديّة وفقر وتعتير وألم وعذاب ضمير.
وأراد يسوع يفرجينا نتايج الخطية بما صارت عليه حالة المكان اللّي تجسّدت فيه هالخطية بأعمال ضدّ المحبّة: بزخ وعلاقات مصلحة واستغلال للضعيف وبالنهاية احتقار وذل وفقر ومجاعة، إلخ.
وأراد يسوع يفرجينا نتايج الخطية بما صارت عليه حالة الأخوّة بموقف الإبن الأكبر: انقسام وحقد واتهام وحكم ودينونة (هيد أبنك) ورفض للتضامن ولارتباط الاخوّة.
لهيك، فينا اليوم نقرأ اللي عم نعيشو اليوم بواقعنا الفردي (الفردانية) والعائلي (الماديّة) والضيعوي (خلافات وانقسامات على المراكز) وعلى الصعيد الاجتماعي (النسبيّة) والسياسي والاقتصادي الوطني والعالمي(الطمع بالمال والسلطة)، وعلى الصعيد الصحي (أمراض نتيجّة تكسير النظام الطبيعي)، مش عقاب من الله متل ما عم بيشيّع بعض المؤمنين وغير المؤمني وبعض المكّرسين، بل كنتجية لخطايانا، اللّي هي تخلّي عن الحبّ الحقيقي، حبّ الله، وحبّ الذات والآخرين متل ما اللّه أحبنا ووصّانا نحبّ، وبالتالي دعوة لئلنا لنرجع لذاواتنا متل الابن الضال، ونقرا واقعنا في ضوء ما يقدّمو بينا السماوي ليللي بيبقى معو، تحت جناحو، تحت سقف بيتو كنيستو، مِنْ نِعَمْ، وفرح حقيقي، وسلام، وتوازن، ومجد، وعزّة، وحبّ وصداقة، وبركة، إلخ.
لهيك خلّينا نستفيد من مسيرتنا الروحيّة بزمن الصوم، ونرجع لذواتنا فرديًّا وعائليًا كأفراد عيلة مع بعضنا البعض، ونعمل فحص ضمير بجوّ من الصلاة ونقرا واقعنا في ضوء قراءة كلمة الله والتأمل فيا، ونميّز شو ناطر منّا بينا السماوي، ونتوب ونقرّر نرجعلو بصدق وتواضع ونرتمي بين إيديه، ونتركو يقود حياتنا، لنقدر بنعمتو نغيّر هالواقع لخيرنا وخلاصنا.
فيا رب عطينا نحوّل بالانفتاح على مغفرتك حياتنا اليوم بما فيها لمسيرة توبة حقيقية، متل مسيرة الابن الضال، ونعطيك الفرصة تغمرنا بأبوتك وتحرّرنا من مسار الموت وتفيض علينا بوفرة الحياة. آمين.