ربَّما يدور الحديث اليوم عن أعداد البطالة المتفشية في أنحاء كثيرة من العالم ولا سيما في دول العالم الثالث. فرغم أنّه من حق إي إنسان أن يجد عملاً يعتاش منه بكرامة ويخدمَ فيه مجتمعه ووطنه، ويقدِّمَ أفضلَ ما لديه إلا أنّ واقع الحال غير ذلك، فأعان الله من لا عمل لديهم ولا دخل لهم لإعالة أسرهم.
وحديثي عن العنوان أعلاه جاء بحسب ما أورده السيد المسيح في المثل عن البطّالين العاطلين عن العمل في السوق، الذين لم يستأجرهم أحد ليعملوا لديه في حقله، فصاحب الحقل الذي يُمثّل كيفيةِ تعاملِ اللهِ معنا كان لديه متسَّعٌ لجميعِ من صادفهم في طريقه طيلةِ ذلك النهار، حيث لم يكن هنالك من يستأجرهم ليعملوا لديه، والله يريدنا في حياتنا أن نكون عاملين لا بطّالين!
فالحقيقة الهامة والأساسية في إيماننا المسيحي القويم هو أنه لكل إنسان مكانٌ في قلب الله وله مهمته وعمله الذي وجب أن يقوم به، فالعمل مقدّس مهما كانت مدّته طالت أم قصرت، فالعمل ليس بعدد الساعات وإنما بمقدار من نعمل بأمانة وبإخلاص وبأقصى طاقاتنا، وواجبنا أن نقدّم أفضل ما لدينا، فقد يعمل أحدهم لفترة بسيطة لكنَّه يصنع الفرق ويقدّم الكثير أكثر ممن عمل ساعات طويلة دون فائدة ودون إنجاز. فالعنوان الرئيس هو الوفاء والأمانة والجديّة في العمل.
والحقيقة الثانية الهامة أنَّ هذا المثل لا ينتقص كما قد يظّن البعض من قيمةِ العمل والأجور المرتبطة بالجهد المبذول بعدد الساعات التي يقضيها المرء بالعمل، فالعمل مقدس، ومن يزرع يحصد ومن يزرع بالخير يحصد بالبركات ومن يجتهد أكثر بلا تأكيد سوف يحصل أكثر وأفضل. ولكن هذا المثل الذي أورده لنا السيد المسيح كان بهدف أن لا نتعالى على الآخرين الذي نالوا شرف وبركة العمل والخدمة في ملكوت السموات في وقت متأخر من حياتهم، فلربما لظروف معينة لم تتاح لهم فرصة أن يعملوا وقتأ أطول في خدمة ملكوت السموات، فعيونهم لم تكن تبصر حقيقة هذا الملكوت، ولكن لمّا فتح الله عيون قلوبهم قدمّوا كل ما عندهم بأمانة ووفاء، تماماً كما كسرت مريم قارورة الطيب غالية الثمن عند قدمي يسوع، وكما قدّمت الأرملة فلسها الأخير للرب.
هكذا هو ملكوت السموات، فاللص التائب على الصليب لم تكن سوى لحظات تفصل عن انفاصل روحه عن جسده، ولكن توبته كانت صادقة وحقيقية ومقبولة، ووعده المسيح قائلا ” اليوم تكون معي في الفردوس”. لذلك لا يجوز لمن فتحَ اللهُ قلبَه وعاش مدة حياته بالإيمان والرجاء والمحبة أن يحزن لخلاص ذلك الإنسان الذي قبل دعوة السيد والمعلم في وقت متأخر، بل عليه أن يفرح معه لأنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب.
إن أهمَّ ما يعترض حياتنا المسيحية هو أننا قد نحتكرَ الإيمانَ لأنفسنا، ونظنَّ أنَّ الله هو لنا فقط وليس للآخرين، وأننا نحن الأولون والكُّلُ آخِرون، وننسى أنَّ دورَنا نحن الذين فتح الله عيون قلوبهم أنْ نسهمَ في سعادة الآخرين وخلاصهم، فرحمة الله تتسع للجميع.
فاعملوا من القلب كما للرب وليس كما للناس.