عجبي من مسيحيةٍ تدوسُ كلمةَ الله تحت أقدامها ولا تقيم وزناً لكلمة الله في حياتها! عجبي من مسيحية سطحية لا عمق فيها ولا قوة ولا تأثير! عجبي من مسيحية تسقطُ أمام إهتمامات العالم وغناه ومسراته!
فلربما هذه التحديات تقف في وجه الإيمان المسيحي اليوم، وقد أشار إليها السيد المسيح بوضوح في مثل الزارع الذي خرج ليزرع (لو 8: 4-8). فقد أراد السيد المسيح من كنيسته أن تصنع الفرق في العالم. فالكنيسة تحمل حربة التسلُّح بكلمة الحق الإلهي للوقوف في وجه تيارات العالم الكثيرة وشروره وفلسفاته المادية والإلحادية والتكفيرية واللاأخلاقية. فالأساس هي الكلمة التي زرعها الله في قلوبنا وعلّمنا إياها وأودعها أمانة في تعاليم الكنيسة وحياتها وحياة قديسيها، والتي وجب أن نفهما ونتمسك بها وأن نجعلها تتجذر في قلوبنا وأن يكون لها عمق بداخلنا وأن نتسلح بها خصوصاً زمنَ التجارب والتحديات والصعوبات وكذلك أمام مغريات العالم الكثيرة التي تحاول النيل من إيماننا والنأي بنا عن حياة الإيمان والحياة الروحية القادرة أن تجددَ قلوبنا وتنعشَ وأرواحنا وتجعَلَنا نطلب ما في السموايات.
فبدون أن تجدَ كلمةُ الله مكانا خصبا في قلوبنا لن نقدر أن نرتقي إلى دعوة المسيح في حياتنا بأن نعيش حياة الإيمان وحياة القداسة. فكثيرون لا تعني لهم كلمة الله سوى أنه كلام جميل، كلام مثالي، كلام نظري لا يتماشى مع واقع وطبيعة الحياة، وبذلك يكونون كمن يدوسون كلمة الله تحت أقدامهم كذلك الزرع الذي سقط على الطريق وداسته أرجل المارة.
وهناك أيضاً الكثيرون الذين لا يعيشون عمق وغنى كلمة الله في حياتهم، فهم وإن كانوا يعرفون عن كلمة الله ولكنم لا يعرفونها حقاً لأنهم لم يعيشوا بموجبها ولم يختبروا قوتها، بمعنى آخر، أنه لا عمق لكمة الله في حياتهم، فمسيحيتهم سطحية، اسمية، لم تشكِّلَ قالبَ حياتِهم بعد ولا تعني لهم أكثر من مجرد اسم مسجل في خانة الديانة. وهذا بخلاف ما يريده المسيح منّا عندما طلب من بطرس والتلاميذ أن يبحروا إلى العمق، وأن يختبروا معنا الشركة الحقيقية مع الله
وهناك الكثيروين أيضاً الذين وإن كانوا يسمعون كلمة الله ويحفظون جزءاً منها ولكنّ العيش بموجبها لا يشكّل أولية في حياتهم. فالإهتمامات والإنشغالات كثيرة في حياتهم، كإنشغال مرثا في أثناء زيارة المسيح لبيت أخيها لعازر وأختها مريم. والحقيقة أن إنشغالنا بأمور كثيرة قد تختطف منّا إهتمامنا بكلمة الله والعيش بموجبها، علاوة على لهاثنا وراء تكديس الثروة والمال والغنى والجري وراء مسرات العالم الزائلة واللحظية.
ومن ناحية أخرى، فهناك قديسون وقديسات تقدسوا بفعل كلمة الله التي انغرست في عمق قلوبهم، فتنقَّت سيرتُهم ورفعتهم من قوة إلى قوة ومن مجد إلى مجد. فرغم تضحياتهم وآلامهم وصليبهم الكبير إلا أنهم بالجهاد مع الصبر يثمرون مئة ضعف، وليس بفعل قوتهم بل بفعل قوة الله العاملة فيهم لتمسُّكِهم بكلمة الله الحيّة والفعَّالة والتي هي أمضى من كل سيف ذو حدّين. فكلمة الله وجدت صدىً في نفوسهم، وعقماً في قلوبهم، وأولويةً في حياتهم، كما بقول القديس بولس ” بل إني أحسب كل شيء أيضاً خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح” ( في 8:3).
فلا عجب إذا من مسيحية لا تجد فيها كلمة الله صدى وعمقاً وأولوية في الحياة، وبقول المسيح، “إن لم يزد برّكم على الفريسيين والكتبة لن تقدروا أن تدخلو املكوت السموات”