“هناك حياة جديدة تتدفق في داخلنا، وهي تنتظر مثل الجمر تحت الرماد لكي تشتعل وتنير كل شيء” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا رتبة التوبة، في إطار مبادرة “٢٤ ساعة للرب”
ترأس قداسة البابا فرنسيس، مساء الجمعة، رتبة التوبة، في إطار مبادرة “٢٤ ساعة للرب”، في رعيّة القديس بيوس الخامس في روما وقد تخللت الرتبة عظة للأب الأقدس قال فيها “يمكننا أن نسير في حياة جديدة”: هذا ما كتبه الرسول بولس للمسيحيين الأوائل في كنيسة روما هذه. لكن ما هي الحياة الجديدة التي يتحدث عنها؟ إنها الحياة التي تولد من المعمودية، والتي تجعلنا نغوص في موت يسوع وقيامته، وتجعلنا أبناء الله إلى الأبد، أبناء القيامة، الذين لهم الحياة الأبدية، والموجهين نحو أمور السماء. إنها الحياة التي تدفعنا إلى الأمام في هويتنا الحقيقية، أي أن نكون أبناء محبوبين من الآب، فلا يتمكّن هكذا أي حزن أو عائق، أو أي جهد أو ضيق من أن يتغلب على هذا الواقع الرائع الذي يؤسسنا.
تابع البابا فرنسيس يقول لقد سمعنا أن القديس بولس يربط فعلًا بالحياة الجديدة: وهو السير. لذلك فإن الحياة الجديدة، التي بدأت بالمعمودية، هي مسيرة. وبعد خطوات عديدة في المسيرة، قد تغيب ربما عن نظرنا الحياة المقدّسة التي تتدفق في داخلنا: يومًا بعد يوم، إذ ننغمس في وتيرة متكررة، تشغلنا آلاف الأمور، ويشوشنا العديد من الرسائل، نبحث في كل مكان عن الرضا والحداثة والمحفزات والأحاسيس الإيجابية، لكننا ننسى أن هناك حياة جديدة تتدفق في داخلنا، وأنها تنتظر مثل الجمر تحت الرماد لكي تشتعل وتنير كل شيء. علينا أن نبحث عن الجمر تحت الرمام، ذلك الرماد الذي استقر على قلوبنا ويحجب الجمال عن أرواحنا. عندها يظهر لنا الله، الذي هو أبونا في الحياة الجديدة، كسيّد؛ وبدلاً من أن نوكل أنفسنا له نتعاقد معه؛ وبدلاً من أن نحبه نخاف منه. والآخرون، بدلاً من أن يكونوا إخوة وأخوات، لكونهم أبناء للأب نفسه، يبدون لنا عقبات وأعداء: فتبدو لنا عيوبهم مُفرِطة ولا نرى حسناتهم. كم من مرة نكون غير مرنين مع الآخرين ومتسامحين مع أنفسنا! ونشعر بقوة لا يمكن إيقافها للقيام بالشر الذي نرغب في تجنبه. إنها مشكلة الجميع، حتى إن القديس بولس يكتب أيضًا إلى جماعة روما: “لأن الخير الذي أريده لا أفعله، والشر الذي لا أريده إياه أفعل”. باختصار، إذا غشيَ وجه الله، وبهتت وجوه الإخوة، وتلاشت العظمة التي نحملها في داخلنا، نبقى في مسيرة، ولكننا نكون بحاجة إلى إشارات جديدة، ولتغيير في الوتيرة، ولاتجاه يساعدنا لكي نجد مجدّدًا درب المعمودية، جمالنا الأصلي الذي يرقد تحت الرماد، ولكي نجد مجدّدًا المعنى للمضي قدمًا.
البابا في رتبة التوبة، في إطار مبادرة “٢٤ ساعة للرب”
أضاف الأب الأقدس يقول أيها الإخوة والأخوات، ما هو السبيل لاستئناف مسيرة الحياة الجديدة؟ إنها درب مغفرة الله. هذا ما تفعله المغفرة الإلهية: تجعلنا جددًا. هي تنظفنا من الداخل، وتجعلنا نعود إلى حالة الولادة الجديدة من المعموديّة: تجعل مياه النعمة العذبة تتدفق مجدّدًا في قلوبنا، التي جففها الحزن وغطّتها غبار الخطايا. إنَّ الرب يزيل الرماد من جمر نفوسنا، وينظف تلك البقع الداخلية التي تمنعنا من أن نثق في الله، ومن أن نعانق إخوتنا، ونحب أنفسنا. إنَّ مغفرة الله تحوِّلنا من الداخل: تعيد لنا حياة ورؤية جديدتين. وليس من قبيل الصدفة أن يسوع قد أعلن في الإنجيل الذي سمعناه: “طوبى لأَطهارِ القُلوب فإِنَّهم يُشاهِدونَ الله”. هي تُعدُّدنا لكي نرى الله. إنَّ الإنسان لا يرى الله إلا إذا تطّهر قلبه. ولكن من يستطيع أن يفعل ذلك؟ إن التزامنا ضروري، ولكنه ليس كافيا؛ وحده الله يعرف القلب ويشفيه، وهو وحده يمكنه أن يحرره من الشر. ولكي يحدث هذا، علينا أن نحمل إليه قلوبنا المنفتحة والمنسحقة؛ متشبّهين بالأبرص في الإنجيل الذي سأله قائلاً: “إن شئت فأنت قادر أن تطهِّرني”. إنها صلاة جميلة ويمكننا نحن أيضًا أن نكرِّرها.
تابع البابا يقول إن الرب يريد ذلك، لأنه يريدنا متجددين، أحرارًا وخفيفين من الداخل، سعداء وفي مسيرة، وليس واقفين على دروب الحياة. هو يعرف كم هو سهل علينا أن نتعثر، ونسقط، ونبقى على الأرض، وهو يريد أن ينهضنا من جديد. لا نُحزِنَنَّه، ولا نؤجِّلنَّ اللقاء بمغفرته، لأنه فقط إذا أعادنا هو على أقدامنا، سنتمكّن من أن نستأنف المسيرة وأن نرى هزيمة خطيئتنا التي قد مُحيَت إلى الأبد. كذلك، “في اللحظة عينها التي ينال فيها الخاطئ المغفرة، ويمسكه الله وتجدّده النعمة، تصبح الخطيئة – عجيبة العجائب! – المكان الذي يتواصل فيه الله مع الإنسان. […] هكذا يُظهر الله نفسه بالمغفرة، ويكتشف الخاطئ، إذ يتفحّص هاوية خطيئته، رحمة الله اللامتناهية. هنا تنطلق الحياة الجديدة مجدّدًا: هي التي بدأت بالمعمودية، تنطلق مجدّدًا من المغفرة.
البابا في رتبة التوبة، في إطار مبادرة “٢٤ ساعة للرب”
أضاف الحبر الأعظم يقول لا نتخلينَّ عن مغفرة الله وعن سر المصالحة: إنها ليست ممارسة تعبُّد، بل أساس الوجود المسيحي؛ وليست مسألة أن نعرف كيف نقول خطايانا بشكل جيد، وإنما أن نعترف بأننا خطأة ونرمي أنفسنا في أحضان يسوع المصلوب لكي نتحرر؛ إنها ليست لفتة أخلاقية، بل قيامة قلب من الموت. لنذهب إذًا لكي ننال مغفرة الله، ونحن الذين نمنحها، لنشعر بأننا موزعين لفرح الآب الذي وجد ابنه الضال؛ لنشعر أن أيدينا التي نضعها على رؤوس المؤمنين هي يدي يسوع التي ثقبتها الرحمة، هو الذي يحول جراحات الخطيئة إلى قنوات رحمة؛ ولنشعر أن “المغفرة والسلام” اللذين نعلنهما هما لمسة حنان الروح القدس على قلوب المؤمنين. لنغفر، أيها الإخوة الكهنة الأعزاء، وسنجد أنفسنا مجدّدًا؛ لنمنح المغفرة دائمًا لمن يطلبها ولنساعد من يشعر بالخوف لكي يقترب بثقة من سر الشفاء والفرح. لنُعِد مغفرة الله إلى قلب الكنيسة!
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول والآن، لنستعد لقبول الحياة الجديدة، ولنعترف للرب أن هناك الكثير من القديم فينا. لقد لوث برص الخطيئة جمالنا ولذلك نقول: يا يسوع، إن شئت فأنت قادر أن تطهِّرني! من فكرة أنني لا أحتاجك كل يوم: يا يسوع، إن شئت فأنت قادر أن تطهِّرني! من التعايش بسلام مع ازدواجياتي، بدون أن أبحث عن درب الحرية في مغفرتك: يا يسوع، إن شئت فأنت قادر أن تطهِّرني! عندما لا تتبع الوقائع المقاصد الصالحة، وعندما أؤجل الصلاة ولقائي بك: يا يسوع، إن شئت فأنت قادر أن تطهِّرني! عندما أساوم مع الشر، مع عدم الأمانة، ومع الزور، وعندما أدين الآخرين، وأحتقرهم وأتحدث عنهم بالسوء، وأشتكي من الجميع ومن كل شيء: يا يسوع، إن شئت فأنت قادر أن تطهِّرني! وعندما أكتفي بعدم الإساءة، ولكني لا أفعل الخير من خلال الخدمة في الكنيسة والمجتمع: يا يسوع، إن شئت فأنت قادر أن تطهِّرني! نعم يا يسوع، أنا أؤمن أنك قادر أن تطهرني، أؤمن أنني بحاجة إلى مغفرتك. جددني وسأسير مجدّدًا في حياة جديدة.