الأحد الخامس من الزمن الأربعيني ب
يو 12: 20-33
يتكرر موضوع “الساعة” في إنجيل القديس يوحنا عدة مرات.
فهو يقول إن الساعة لم تأتِ بعد (يو 2: 4؛ 7: 30؛ 8: 20)، أو أن هذه الساعة على وشك أن تأتي (يو 4: 21، 23؛ 5: 25، 28) أما في مقطع اليوم (يو 12: 20-33)، فللمرة الأولى يقول يسوع إن ساعته قد أتت (يو 12: 23).
أولاً، لنسأل أنفسنا عن أي ساعة يتحدث يسوع.
أولاً أنها ساعة الشدة والإضطراب: يؤكد يسوع أنه بسبب هذه الساعة تضطرب نفسه (يو 12: 27)، ثم يضيف أن هذا الاضطراب لن يدفعه إلى الوراء. يوضح يسوع ماهية الساعة: فهي ليست ساعة الخلاص “الآنَ نَفْسي مُضطَرِبة، فماذا أَقول؟ يا أَبَتِ نَجِّني مِن تِلكَ السَّاعة. وما أَتَيتُ إِلَّا لِتلكَ السَّاعة” (يو 12: 27)، فقد جاء إلى العالم من أجل الساعة.
هي ساعة مناجاة الآب بالصلاة “يا أبتاه مجِّد اسمك” (يو 12: 28)، وفي هذه الصلاة يسأل يسوع عن ما هو أساسي، ما الذي سيواجه من أجل الساعة. ما يطلبه يسوع من الآب يتمحور حول فعل واحد يتكرّر ثلاث مرّات في هذا المقطع وهو فعل “مجّد” في الآية 28.
فيسوع يطلب من الآب أن يكشف للجميع حقيقته العميقة، تلك التي تنطوي في اسمه، في ما هو عليه حقًا: أي يطلب أن يكشف للجميع سرّ محبّته، سرّ حنانه لكل المخلوقات.
وفي طلبه هذا، يجعل من نفسه أداة هذا الإعلان، يجعل حياته، في هذه الساعة بالذات، تنطق بمجد الآب، تنطق بحقيقة الله. الساعة، إذن، هي تلك الساعة التي يكشف فيها يسوع، بقبوله المجاني للموت، وهي محبة الآب للإنسان.
يجيب الآب بدوره على هذه الصلاة.
يجيب بنفس الفعل الذي استعمله يسوع، ويجيبها بصيغة الماضي والمستقبل: “مجّدته وسأمجّده” (يو 12: 28). مما يعني أنه في هذه الساعة المظلمة والمأساوية لن يغيب الآب. ليست الساعة التي يتوارى فيها الآب ويترك الابن وحده ليواجه آلام الموت.
لقد كان الآب حاضرًا في حياة الابن، فقد قالها يسوع بوضوح أن الآب يستجيب دائماً إليه (يو 11: 42). هذه ليست خبرة ماضية بالنسبة إلى يسوع تنتهي بموته، بل على العكس، هي يقين حيّ، تشجعه على الدخول في الساعة دون أن يهرب من أي اضطراب.
إن محبة الآب لن تفشل أبدًا، وسترافق الابن في ساعته دون أن يتخلى عنه.
فمحبة الآب تعانق حياة يسوع في كل أوقاته السعيدة و عند حلول ساعته، في ساعة ألمه وتعبه، وتحمله إلى ما بعد الموت، وتعيده إلى الحياة، وتعيده إلى نفسه.
ويوضح يسوع أن صوت الآب هذا لم يأتِ من أجله، بل من أجلنا (يو 12: 30).
أن نقول إن هذه المحبة تتعلق بماضينا وحاضرنا، بأفراحنا وأحزاننا، إنها تشمل حياتنا كلها، كما شملت حياة يسوع.
لنتأمّل بطريقة مختلفة حول موضوع إن الساعة قد أتت.
هذه الساعة تأتيه من مجيء بعض اليونانيين (يو 12: 20) الذين جاءوا إلى القدس للاحتفال بالعيد (يو 12: 20).
وإلى التلاميذ، الذين كانوا بمثابة سفراء لطلبهم، أجاب يسوع بمثل قصير عن حبّة الحنطة (يو 12: 24). حبة الحنطة، إذا لم تمت، تبقى وحدها. إن لم تمت، إن لم يمت يسوع يبقى وحده، دون أصدقائه، دون اليونانيين الذين جاؤوا يطلبونه، ومعهم دون جميع البعيدين الذين يطلبون وجهه.
لأن من يريد أن يراه يجب أن يبحث عنه في ساعته الخاصة، في علاقة المحبة والثقة بالآب، في اليقين بأن هذه المحبة ترافقه حتى في موته.
تهدف مسيرة صومنا إلى أن نصل إلى هذه الساعة، حيث يكشف لنا يسوع وجه الله. هناك، وهو مرفوع عن الأرض، يحمل ثمارًا كثيرة: ويجذب إليه الجميع (يو 12: 32).
+ بييرباتيستا