ربما أصبح من الصعب اليوم الحديث عن لغة المحبة في عالم تغولت فيه لغة المصالح ولغة القوة وانقلاب معايير العدالة والسلام والمعايير القيمية والأخلاقية، وهذا هو التحدي الكبير الذي يواجههُ عالمنا اليوم في كلِّ بقاع الأرض، ويشكل تحَّدٍ لكل العاملين على إرساء قواعد العدالة والمساواة والحريات العامة والخاصة وحوار الأديان والوئام بين بني البشر.
والتحدي الأكبر يواجه المؤسسة الدينية اليوم التي وجب ألا تساير العالم وفق معاييره التي أحياناً قد تبدو بعيداً عن المعايير الإلهية في المحبة والعدالة والسلام، والمدعوة أنْ تُشَّكِلَ رأسَ حربةٍ في التصّدي لقوى الشّر في العالم والفساد وإنعدام التوازن والمعايير المزودجة وغياب العدالة والمساواة في بقاع كثيرة من العالم.
ومن هذه المنطلق تَحملُ المؤسسة الدينية – أيا كانت – صوتاً نبوياً صارخاً في برية هذا العالم الذي انحرف عن مسيرةِ الإنسانيةِ وقيمَها ومبادئِها وإنحاز لصالح القوي وتحقيق المصالح على حساب الأسس الإنسانية والإخلاقية والروحية التي أوجدها الله لتحيا البشرية الحياةَ الفُضلى بناء على تعاليم السماء لا بناء على كثير من التعاليم الأرضية التي لا تكترث لحقوق الشعوب وحقها في الحياة الكريمة.
لذلك فقداسة المؤسسة الدينية هي من قداسة فكر السماء وقواعد السماء وعدالة السماء، وتبقى الرجاء الحّي الذي أوجده الله بيننا لكي لا نَضعف أو نخور، بل أنْ نستمِّدَ منها قوةً إلهيةً في مسيرة حياتنا الأرضية، وعنواناً نلجأ إليه عندما تهب علينا عواصفُ الحياة العاتية، وصوتاً لمن لا صوت له حين يضعف صوتنا ويَخفُت، وعوناً لمن لا معين له، وقوة لمن خارَت قواه وتحطَّمت به السبل.
فكم هي حاجة عالمنا اليوم إلى عدالة أقرب إلى عدالة السماء، وإن لم تتحقق بالكامل، ولكن يبقى هنالك من يجّد لتحقيقها ويسعى في طريقها ويناضل من أجل إنسانية أرادها الله أن تحمل السِّمَات الإلهية في العيش بموجب شريعة السماء في المحبة والرحمة والغفران والتسامح وعمل الخير، فيحّلَ ملكوت الله بيننا، ونقدرَ أن نحيا بنكهةِ الأبدية في عالمنا، فنفرحَ لزهرِ ربيع يتفتّح، ولآلةَ حرب تتوقّف، لآفاقٍ من العدالة والسلام تتحقق، ولعواملٍ من الإستقرار والراحةِ النفسية تسود.
ألم تعلمنا أدياننا أنّ الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس. فالطعام واللباس يبقيان من ضرورات الحياة، ولكن الحياة أسمى وأرفع من أي شيء، فهي مقدسة لتعكس فكر الله وقداسة الله وعدالة الله.