ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي رتبة الغسل في بازيليك سيدة لبنان – حريصا، عاونه فيها المطارنة سمير مظلوم، بولس الصياح، حنا علوان وانطوان عوكر، أمين سر البطريرك الأب هادي ضو، رئيس مزار سيدة لبنان الاب فادي تابت، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات في حضور حشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس ورتبة الغسل، ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان “قام عن العشاء وغسل أرجل تلاميذه” قال فيها: “في عشائه الفصحي الأخير مع تلاميذه، وقبل أن يؤسّس سرَي القربان والكهنوت، “قام يسوع عن العشاء، وراح يغسل أرجلهم” (يو 13: 4-5)، كعلامة لغسل نفوسهم من خطاياهم، فيؤهلهم لتناول جسده ودمه، ولجعلهم كهنة العهد الجديد. وها انتم، أيها الرهبان الناذرون الأحباء، المختارون من مختلف الرهبانيات تمثلون تلاميذ الرب، بل تواصلون مسيرتهم جيلا بعد جيل، وتحققون ما حدث اثناء ذاك العشاء الفصحي، مساء الخميس السابق لموت ربنا يسوع على الصليب لفدائنا وفداء خطايا البشر أجمعين. ففي الاحتفال الليتورجي، نحن ليس فقط نتذكر الحدث، بل نحققه الآن وهنا، وننتظر مجيء الرب في حياتنا اليومية. فهنيئا لكم على هذا اللقاء الروحي بالرب يسوع الذي، في غسل ارجلكم من خلال خدمتنا، يغسل نفوسكم وقلوبكم، لتواصلوا السير على خطى المسيح، نحو المحبة الكاملة، بالنذور الرهبانية الثلاثة: الطاعة والعفة والفقر”.
تابع: “بعد أن غسل ربنا يسوع أرجل التلاميذ، وخرج يهوذا الإسخريوطي لينفذ خيانته (راجع يو 13: 21-30)، أسّس سرّ القربان، محوّلاً الخبز إلى جسده: “خذوا كلوا، هذا هو جسدي يبذل من أجلكم….”، ومحوّلاً الخمر إلى دمه: “خذوا اشربوا هذا هو دمي الذي يراق من اجلكم لمغفرة الخطايا وللعهد الجديد” (راجع لو 22: 19-20؛ مر 14: 22-24؛ متى 26: 26-28). فاستبق هكذا سر موته على الصليب في اليوم التالي”.
اضاف: “ولكي لا يتركنا يتامى، فيبقى معنا لفدائنا وتقديسنا، ويثبت لنا حبَه حتى النهاية، أصبح طعامنا في مسيرتنا الدنيوية حتى نهاية الأزمنة. ومن أجل هذه الغاية أسّس سرّ الكهنوت لكي بواسطته يحقق سر ذبيحة ذاته، ويوزع بيد الكهنة طعام جسده وشراب دمه، لمغفرة الخطايا والحياة الجديدة. فبعد ان بارك الخبز والخمر، وحولهما الى جسده ودمه وناولهم قال: “اصنعوا هذا لذكري” (لو 22: 19). بهذه الكلمة أسس كهنة العهد الجديد ومنحهم سلطان إقامة ليتورجيا جسده ودمه، ذبيحة ووليمة، ودعاهم ليعيشوا بدورهم حب بذل الذات والعطاء على مثاله، وإداء الخدمة المتواضعة التي عبر عنها بغسل أرجل تلاميذه، وسلمهم الإعتناء ببناء الوحدة بين المؤمنين لكونهم جسد المسيح الواحد، وهو رأسه”.
وتابع: “في هذه المناسبة نهنىء معكم، ايها الحاضرون، كل الذين أقامهم الكاهن الأسمى يسوع المسيح أساقفة وكهنة بحكم سر الدرجة المقدسة. ونخص الحاضرين منهم معنا، ولا سيما الآباء المرسلين اللبنانيين الموارنة الموكلين من قبل البطريركية للخدمة الكهنوتية في مزار سيدة لبنان – حريصا والبازيليك والكابيلات المحيطة. كافأهم الله بفيض من نعمه. كما نهنىء جميع المسيحيين الذين بحكم سري المعمودية والميرون، اصبحوا شعبا كهنوتيا ومشاركين في وظائف المسيح الكهنوتية الثلاثة: النبوية بقبول كلام الله وعيشه، والكهنوتية بالمشاركة في ذبيحة الفداء بضم اعمالهم الصالحة وآلامهم اليها، والملوكية ببناء ملكوت الله على العدالة والحقيقة والمحبة والحرية”.
وقال: “لقد بلغ الرب يسوع ذروة حبه للجنس البشري بتقديم ذاته ذبيحة تكفيرية عن الجميع، ووليمة جسده ودمه زادا لنا في مسيرة الدنيا، بجعل ذبيحته ووليمته مستمرتين في كل قداس يقيمه الكهنة في اي مكان. في هذه الليلة المقدسة المملوءة اسرارا، يسجد المؤمنون والمؤمنات للرب الحاضر في سر القربان، المعروض في جميع الكنائس طيلة الليل وحتى الصباح، وهم بذلك يبادلون الحب بالحب، ويحيون الصلاة والسهر كما عاشهما يسوع في بستان الزيتون، مستمدا العون الإلهي لمواجهة الخوف من الصلب والموت. ونتذكر ما أوصى به تلاميذه الذين اصطحبهم معه: “اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة. فالروح مستعد، ولكن الجسد ضعيف” (مر 14: 38). بهذا الكلام يذكرنا نحن ان نسهر ونصلي لكي ننتصر على تجارب الضعف والتراجع والقنوط. هذا ما نفعله بزيارة سبع كنائس ونحن نعلن إيماننا بأسرار الكنيسة السبعة التي تأسست وتفرعت من سري القربان والكهنوت كينبوعين للأسرار الخمسة الباقية اي المعمودية، الميرون، التوبة، مسحة المرضى، الزواج”.
وختم البطريرك الرايع في عظته إلى القول: “يا ربنا يسوع، الكاهن والذبيحة إمنحنا نحن الذين اشركتنا بكهنوتك بالدرجة المقدسة وبالمعمودية والميرون نعمة الجلوس في مدرستك، مدرسة الإفخارستيا أقوياء بالمحبة التي بها كسبت العالم”.