كنيسة القيامة
أيها الإخوة الأعزاء،
سلام الرب!
هذه الأيام الثلاثة من الصلاة المكثفة والطقوس الاحتفالية تجري كلها حول هذا البناء الصغير، حول آثار ذلك القبر الذي يتحدث عنه إنجيل اليوم والذي نحرسه ونكرمه هنا منذ ذلك الحين. نشأت ليتورجيا القدس حول هذا المكان، كما هو الحال في ليتورجيا الكنيسة كلها. ومن هنا، في الواقع، نستمد النور الذي ينير الحياة المسيحية بأكملها. ونحن، كنيسة القدس، يجب علينا ونريد أن نكون أول من يعلن وصول هذا النور ويحمله إلى العالم. لقد فعلنا ذلك بطريقة بسيطة ومهيبة منذ قليل، عندما أشعلنا نور عيد الفصح من القبر. النور الذي يأتي من القبر الفارغ هو نور الحمل الفصحي الذي يتحدّث عنه سفر الرؤيا: “ولم أر فيها هيكلا، لأن الرب الإله القدير هو هيكلها، وكذلك الحمل” (رؤيا 21، 22)، الذي ينير المدينة المقدسة والكنيسة. إنه نور القائم من بين الأموات الذي نريد أن ينير نظرتنا إلى هذه المدينة، وإلى الأرض المقدسة، والعالم، والكنيسة التي تعيش وتنمو في العالم. إنها نظرة وداعة، وثقة هادئة في عمل الله الذي لا يتركنا تحت رحمة الظلمة وظلال الموت.
في الواقع، يدعونا الإنجيل الذي أعلنتُه للتو إلى التحلّي بنظرة وداعة. إن القائم من بين الأموات لا يفرض نفسه: يعود منتصرًا من المعركة ضد الموت، لكنه لا يذهب ليذل الذين صلبوه، ولا يذهب لإثبات منطقه. ولا يذهب حتى لتوبيخ التلاميذ الذين خانوه وأنكروه وخذلوه. فهو لا يعاقب أحداً، ولا يفرض نفسه، ولا يعود منتصراً شامتا إلى المشهد الذي أُقصي منه بلا رحمة.
وفي مقطع إنجيل اليوم، يسوع غير منظور جسديا، لكنه يترك علامات تُمكّن من يرغب في البحث عنه من مقابلته مرة أخرى. لكي نلتقي بالقائم من بين الأموات علينا التعرف على علامات حضوره، والطرق التي يدخل بها تاريخنا.
يخبرنا الإنجيلي أولاً أن النساء رفعن أنظارهن (مرقس 16: 4): إنه كناية عن القول بأن شيئًا جديدًا قد حدث، شيئًا لم يعتمد على قوى بشرية، وهو أن الله قد جعل نفسه حاضرًا. ولكي يرى الإنسان هذه الأعجوبة، عليه أن يرفع نظره، وينفتح على فكرة إمكانية حدوث شيء جديد. لكي نرى علامات القائم من بين الأموات علينا أن ننظر إلى الأعلى. هذا ما نحتاجه بشدة اليوم: أن ننظر إلى الأعلى. الأيام الرهيبة التي نعيشها أغلقتنا، ويبدو أنها خذلت توقعاتنا، وأغلقت كل طريق، وألغت المستقبل. حتى علاقاتنا المتبادلة تبدو متقلّصة، ومجروحة بسبب عدم الثقة وسوء الفهم، إن لم يكن بسبب الخيانات. يبدو أن كل شيء حولنا يتحدث إلينا عن الفشل، تمامًا كما بدا موت يسوع بمثابة فشل، وإجهاض لمشروع جميل راهن عليها التلاميذ، مشروع ولادة جديدة وتغيير وحياة. واليوم، يبدو أن نوايانا للسلام والمصالحة والحوار قد فشلت. ويبدو أيضًا أن رغبتنا في حياة سلمية ولقاءات تفتح الآفاق، وحلمنا بتحقيق العدالة، وتقبّل الحقيقة، قد فشلت أيضًا. قد تبدو أيضًا حياة جماعة المؤمنين لدينا بلا مستقبل. باختصار، يبدو أن كل شيء يتحدث عن النهاية، عن الموت. تمامًا كما في الإنجيل، عندما تذهب النساء إلى القبر ليبكين على من فقدوا.
ولكن إذا رفعنا أعيننا فقط، وتوقفنا عن البقاء منغلقين على أنفسنا، على آلامنا، وغير قابعين وراء الحجارة الكبيرة التي تغلق أبواب قبورنا، فربما يمكننا نحن أيضًا، مثل نساء إنجيل اليوم، أن نرى شيئًا جديدًا، شيئًا قيد الإنجاز.
ذهبت النسوة إلى القبر، متسائلات من يساعدهن في دحرجة الحجر، لأنهن رأين أن الحجر كان كبيرًا جدًا (مر 16: 3). وهناك رأين القبر مفتوحا. الأمر الجديد الذي جرى ورأته النساء هو أن الحجر قد دحرج (مر 16: 4)، وبالتالي فإن ملكوت الموت لم يعد مسيجا، ولم يعد يحبس أحدًا. ما زال الإنسان يختبر الموت، لكنه لا يبقى هناك، بل يتجاوزه. لقد كسر يسوع أبواب ملكوت الموت بالسلاح الوحيد الذي لا يستطيع الموت أن يقاومه، وهو سلاح المحبة. إذا بقينا في الحب، فإننا لا نبقى سجناء الموت. إن الموت، الذي كان يمسك الإنسان في قبضته، والذي حبسه في مملكته الخاصة القائمة على العزلة والصمت، لم يعد لديه القوة والقدرة على احتجاز أي شخص. إذا أحببنا، فنحن أحرار، وسوف نقوم.
يبدو لي أن حجرا كبيرا يحجب في بعض الأحيان قلوبنا وعيوننا. نحن، من أمام هذا القبر، نطلب أن يُزال هذا الحجر وأن يُشرق نور “الحمل” على عيوننا من جديد. نحن هنا لنطلب شجاعة التحلي بهذا الحبّ القادر أن يهزم الخوف الذي يسيطر علينا اليوم ويبقينا مقيّدين. في بحر الكراهية الذي يحيط بنا، نريد أن نطلب الشجاعة كي نرفع عيوننا فنرى حجر القبر الذي دحرج، والخير الذي تم إنجازه، وشجاعة الذين يبذلون ذواتهم في سبيل الآخرين، وإصرار الكثيرين من الرجال والنساء على بناء علاقات سلمية، وجسور الثقة بين الناس. نرى كهنة وراهبات يلتزمون برعاية جماعاتهم من الخوف ويضمدون جراحاتهم ويبنون الوحدة.
إنها علامات لا يمكن رؤيتها والعثور عليها إلا إذا رغبنا في البحث عنها، ولم نتعب من مساءلة أنفسنا. إنها علامات خافتة، لا تفرض نفسها ولا تسمح بالعثور عليها ما لم يتم البحث عنها والسعي في طلبها. وحتى الليتورجيا التي نحتفل بها غنية بالعلامات: الكلمة، والنور، والماء، والخبز والخمر، والقبر. كلّها علامات تبشرّنا بالانتصار على الموت، ولكنها تبقى صامتة إذا لم يكن قلبنا حرًا طليقا، وإذا لم نبحث عن القائم من بين الأموات، وإذا لم نعد ننتظر منه شيئا.
إن الاحتفال بعيد الفصح يجدد أيضًا شجاعة البحث، وعيش الحياة مع التوقعات الصحيحة، واستجواب العلامات التي تحيط بنا، ورفع نظرنا بثقة وحرية، دون اشتراط أن يرفع الآخرون نظرهم نحونا. إن نظرته، نظرة يسوع، تكفينا.
هنا، إذًا، أول إجابة عن سؤالنا، أين وكيف نلتقي بالقائم من بين الأموات: نلتقي به في كل مرة نختار أن نحب وأن نغفر، لأنه بهذه الطريقة فقط تتدحرج الحجارة التي تغلق قبورنا.
علاوة على ذلك، يتحدث الإنجيلي مرقس عن شاب يلبس ثيابًا بيضاء، ويطلب من النساء ألا يخفن (مرقس 5:16-6). في الواقع، دخلت النساء القبر معتقدات أنهن سيجدن جسد يسوع، لكنهن لم يجدنه. يدخلن معتقدات أنهن سيواجهن الموت، لكن الموت لم يعد موجودًا. وفي مكانه يقف شاب يافع، يلبس ثوباً أبيض، وهو لون الله، وحيث ملك الموت، حلّت حياة الله.
يدعو الملاك النساء إلى النظر من جديد: “هذا هو المكان الذي كانوا قد وضعوه فيه” (مر 16: 6).
ولكن بعد ذلك، ولكي تتمكن النساء من رؤية القائم من بين الأموات مرة أخرى، فإنهن مدعوات إلى لانطلاق، والذهاب إلى التلاميذ، لكي ينطلقوا هم أيضًا ويذهبوا إلى الجليل: هناك سيرونه (مرقس 16، 7).
مكان اللقاء مع القائم من بين الأموات هو الجليل، حيث بدأ التلاميذ يتبعون يسوع: نلتقي بالقائم من بين الأموات حيث نختبر بداية جديدة، وانطلاقة جديدة.
نجد الرب حين نسمح له أن يُخرجنا من قبورنا ولا نسمح لأنفسنا بأن تصاب بالشلل بسبب مخاوفنا التي تمنعنا من المشي. في كل مرة يتم التغلب على الخوف، وفي كل مرة نخطو خطوة على طريق الإنسانية والأخوة، يصبح الرب القائم من بين الأموات حاضرًا في حياتنا.
هذه هي الأمنية التي أتمناها لكم جميعًا، لنا نحن المجتمعين هنا في هذا المكان المقدس، ولكنيستنا بأكملها. إن التوقف عن طلب الحي بين الأموات (راجع لوقا 24، 5)، وإضاعة الوقت في مطاردة آمال بشرية واهية، أو أوهام وحلول سهلة لمشاكلنا، غالبًا ما تكون مقدمة لخيبات أمل مريرة. دعونا نتوقف عن وضع ألمنا وحده في مركز حياتنا، ولكن، مثل نساء الإنجيل، دعونا نجدد رفع أعيننا، وليس النظر إلى أنفسنا فقط. طالما ركزنا على أنفسنا فقط، فلن نرى شيئًا سوى أنفسنا، ولن نرى أي علامة، ولن نرى أي ضوء. ليكن عيد الفصح اليوم دعوة إلى الانطلاق، والذهاب اليوم إلى جليلنا، للبحث عن علامات حضوره، حضور الحياة والمحبة والنور. لنجدها حاضرة في أولئك الذين ما زالوا قادرين على القيام بمبادرات محبة وغفران يتعطش إليها العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى. أطلب هذه العطية وهذه النعمة لنا جميعًا، ولكنيسة القدس، لكي تكون دائمًا الكنيسة التي تعيش، وترجو، وتحب، وتسير في نور الحمل.
عيد فصح سعيد!
+ الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا
بطريرك القدس للاتين