“اليوم علّق على خشبة، الذي علّق الأرض على المياه”. هذه كانت “معمودية الدم” التي قبلها المسيح يوم إعتمد من يوحنا المعمدان في بيت عنيا عبر الأردن في مياه النهر المقدس متمماً كلَّ بّر، وقد تكلل هذا البر عندما عُلّق المسيح في يوم الجمعة العظيمة على الخشبة ليُعلّق عليها آثامنا وخطايانا ويصالحنا مع الآب السماوي ويعيدنا إلى أحضان النعمة السماوية ويفتح لنا أبواب السماء لنعود أبناء حقيقيين لله نحيا حياة البر والقداسة كلَّ أيام حياتنا.
لذلك فصلبُ المسيح لم يكن مجرد صدفة أو تآمر بشري، مع أنه حيكت ضد المسيح مؤامرات كثيرة للإطاحة به وتصفيته، هوَ وكذلك صديقه لعازر الذي أقامه من الموت لأنَّ كثيرين بسببه تبعوا المسيح وأمنوا به، ولكن الحقيقة أن المسيح منذ أن أُعلِنت حقيقة شخصيته بصوت الآب السماوي ” هذا هو ابني الحبيب” على ضفاف نهر الأردن أي أنه الكلمة الإلهية التي كانت ستنجز إرادة الله وتحققها فداء وخلاصا وشفاء للبشرية. كذلك وبنزول الروح القدس واستقراره على كتفه علامة كونه المسيا المنتظر الممسوح من الروح القدس، تم التأكيد على أن رسالة المسيح هي رسالة خلاص مغمسة بذبيحة الفداء أي حمل الله الذي يرفع خطية العالم كما شهد له يوحنا المعمدان، وليكون الملك السماوي الذي يسود على قلوب المؤمنين ويستحق أثمن كنوزهم وهداياهم من حياة التكريس، إلى حياة الطاعة، إلى حياة الخدمة، إلى حياة القداسة، التي هي غايتنا لنصل إلى السماء مغلّفةً برداء المحبة التي لا تسقط أبداً لأن الله محبة، ومن لم يحب لم يعرف الله، ولن يقدر أن يحب الخليقة ولا أخاه الإنسان كنفسه، ولن يقدر أن يحب حتى نفسه، بل تسود في قلبه روح الأنانية وحب الذات والشهوة الجامحة والكبرياء.
لذلك عندما نقف أمام عظمة الجمعة العظيمة إنما نقف أمام سرّ محبة الله الفائقة الوصف، والتي لا يستحقها أياً منّا مهما علت رتبتنا أم منزلتنا أم علمنا أم إمتيازاتنا. فأمام محبة الله نقف عراةً نحتاج أن نلبس من ثوب محبته لنستر عيوبنا ونقدر أن نسهم في شفاء العالم من أمراضه وإنحرافه عن درب الحب الإلهي وعن شريعة المحبة التي خلقنا لنحيا بها، ونختبرَ عمق الإنسانية ومعنى الحرية والكرامة والعطاء والسمو والرفعة، فبدون محبة الله التي تجلّت واختبرناها يومَ الجمعة العظيمة تبقى محبتنا ناقصة، مزيفة، غير صادقة، حتى نعيشَ في أعماقنا عِظَمَ هذه المحبة، عندها سنفعَلُ ما فعلته مريم أخت لعازر عندما كسرت قاروة الطيب غالية الثمن خدمة للمسيح، ولن نجد صعوبة أن نقول مع بولس الرسول ” بل إني أحسب كل شيء أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح” (في 8:3)، ولن نتوانى أن نُعِيْدَ عشرة أضعاف ما وشينا به الآخرين كما فعل متى العشار، ولن نجد صعوبة أن نعودَ كذلك السامري الأبرص الذي شفاه المسيح من برصه ساجداً وشاكراً عند قدميه، ولا يعد يفصلنا أي شيء عن محبة المسيح ” لا الشدة والضيف ولا الإضطهاد ولا الجوع ولا العري ولا الخطر ولا السيف” لأنه في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا (رومية 8)
جمعة عظيمة في محبتها قدمت لنا شفاء الروح والجسد لنقوم مع المسيح لحياة أعدّها الله للذين يحبونه.
هللويا.