أهمية الوحدة والصلاة والعمل من أجلها وتفادي الانقسام الذي هو عمل الشرير، هذا ما شدد عليه البابا فرنسيس في كلمته إلى وفد كنيسة السريان الملابار في الهند الذي استقبله اليوم.
استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الاثنين وفدا من كنيسة السريان الملابار في الهند، ورحب قداسته في بداية كلمته برئيس الأساقفة رأس الكنيسة وبالأساقفة والمؤمنين. وتحدث البابا عن كون مؤمني هذه الكنيسة معروفين لا فقط في الهند بل في العالم كله بقوة الإيمان والتعبد، وقال لضيوفه إن إيمانهم عريق ومتجذر في الشهادة وصولا إلى استشهاد القديس توما رسول الهند. ثم توقف الأب الأقدس عند التحديات الكثيرة في تاريخ هذه الكنيسة الطويل والذي شهد أيضا قيام بعض أخوتكم في الإيمان، قال البابا للحضور، بأفعال مؤسفة إزاءكم غير مكترثين بخصوصية كنيستكم المزدهرة، إلا أنكم بقيتم أمناء لخليفة القديس بطرس، تابع الأب الأقدس. ثم أعرب عن سعادته لاستقباله اليوم مؤمني هذه الكنيسة وتثبيتهم في الإرث العظيم الذي تلقوه ويسيرون به قدما، كما وأشاد بالطاعة التي تميز ضيوفه.
أراد البابا فرنسيس بعد ذلك التأكيد على أن التقاليد الشرقية هي كنوز لا غنى عنها في الكنيسة، وأضاف أن في زمن مثل زمننا، الذي يقطع الجذور ويقيس كل شي بما هو مفيد وفوري، يمَكن الشرق المسيحي من الاستلهام من مصادر روحانية قديمة لكنها جديدة دائما. وتابع الأب الأقدس أن هذه الينابيع النضرة تمنح الكنيسة حيوية، ويسعده بالتالي كأسقف روما أن يشجع مؤمني هذه الكنيسة أينما كانوا على تعزيز حس الانتماء إلى كنيستهم كي يزداد بريق إرثها الليتورجي واللاهوتي والروحي والثقافي الكبير.
وتابع البابا فرنسيس كلمته مذكرا بالرسائل التي وجهها مؤخرا إلى مؤمني هذه الكنيسة لتنبيههم إلى خطر الميل نحو التركيز على تفصيلة لا يرغبون في التنازل عنها وذلك على حساب الخير العام للكنيسة. والإشارة هنا إلى رفض البعض الاحتفال بالطقوس بالشكل الذي حدده سينودس كنيسة السريان الملابار ما أدى إلى انقسامات وحتى إلى عنف. وأضاف الأب الأقدس أن المرجعية الذاتية هي ما يؤدي إلى عدم الإصغاء إلى أي طرف آخر، وهنا يأتي عمل الشرير الذي يفرِّق ويناقض رغبة الرب التي أعرب عنها قبل أن يهب ذاته من أجلنا، أي أن نكون نحن، تلاميذه، واحدا، ألا ننقسم وألا نكسر الشركة. أكد البابا بالتالي على أن الحفاظ على الوحدة ليس إرشادا بل هو واجب، وخاصة حين يتعلق الأمر بالكهنة الذين وعدوا بالطاعة والذين ينتظر منهم المؤمنون مثلا على المحبة والوداعة.
ومن هذا المنطلق شدد البابا فرنسيس، موجها حديثه إلى رئيس الأساقفة رأس كنيسة السريان الملابار في الهند، على ضرورة العمل بعزم من أجل الحفاظ على الشركة وأيضا الصلاة بدون كلل من أجل أن يدرك أخوتنا، المعرضون لدنيوية تؤدي إلى التشدد والانقسام، أنهم جزء من عائلة واحدة كبيرة تحبهم وتنتظرهم. وتابع الأب الأقدس متحدثا عن ترك الأبواب مفتوحة والقلوب مفتوحة كي يدخل الابن العائد، فلننتظر من ضلوا ونتحاور معهم بدون خوف، قال البابا. لكنه أكد في المقام الأول على ضرورة الصلاة كي تُحل النزاعات بنور الروح القدس الذي يجعل الاختلافات في تناغم ويُحوِّل التوتر إلى وحدة، وذلك أيضا مع القناعة الراسخة بأن التفاخر والشكوى والحسد ليست أفعالا تأتي من الرب ولا تقود أبدا إلى وفاق أو سلام. وواصل البابا فرنسيس أن عدم احترام السر الأقدس، سر المحبة والوحدة، وأن النقاش حول تفاصيل الاحتفال الإفخارستي هما فعلان يتناقضان مع الإيمان المسيحي. وشدد قداسته على أن المعيار الموجِّه والروحي بالفعل والنابع من الروح القدس هو الشركة والتي تعني التحقق من الوحدة والحراسة الأمينة والمتواضعة، المحترِمة والمطيعة، لما تَلَقينا من هبات.
ثم قال قداسة البابا، مشددا على توجيه كلماته هذه إلى الجميع، إنه في اللحظات الصعبة وخلال الأزمات يجب تفادي الخضوع لليأس أو الشعور بالعجز. دعا بالتالي إلى ألا ينطفئ الرجاء وإلى عدم الكلل عن الرجاء وعدم الانغلاق في أحكام مسبقة تغذي الكراهية. وواصل البابا فرنسيس داعيا إلى التفكير في الآفاق الكبيرة للرسالة التي أوكلها الله إلينا، أن نكون علامة حضوره المُحب في العالم، لا حجر عثرة لمن لا يؤمن. فلنفكر خلال اتخاذنا القرارات، واصل قداسة البابا، في الفقراء والبعيدين، في الضواحي سواء في الهند أو في الشتات، في الضواحي الوجودية. فلنفكر فيمن يعاني وينتظر علامات رجاء وعزاء. ثم قال الأب الأقدس إنه يعلم أن حياة مسيحيين كُثر في أماكن مختلفة هي صعبة، إلا أن الاختلاف المسيحي يتمثل في الرد على الشر بالخير، في العمل بلا كلل مع المؤمنين جميعا من أجل خير البشر جميعا.
هذا ووجه قداسة البابا في كلمته الشكر إلى الجميع على ما تقوم به كنيسة السريان الملابار من عمل في تكوين العائلات وفي التعليم المسيحي، كما وأكد دعمه لعمل الكنيسة الرعوي لصالح الشباب ومن أجل الدعوات. أكد قداسته أيضا قربه من الجميع بالصلاة وأنه يحملهم في قلبه كل يوم، وطلب من الحضور أن ينقلوا تشجيعه إلى أخوتهم وأخواتهم.
وفي ختام كلمته إلى وفد كنيسة السريان الملابار في الهند أراد البابا فرنسيس توجيه الدعوة إلى النظر معا إلى يسوع الذي صُلب ومات وقام من بين الأموات، فهو من يحبنا ويريدنا أن نكون واحدا، هو من يريد أن نكون عائلة واحدة تجتمع حول المذبح ذاته. وواصل البابا داعيا إلى أن ننظر، وكما فعل القديس توما، إلى جراح يسوع والتي هي مرئية اليوم في أجساد الجياع والعطاش والمستبعدين، وأكد أن لمس هؤلاء الأخوة بحنان في السجون والمستشفيات وعلى الطرقات يجعلنا نستقبل الله الحي بيننا. ومثل القديس توما فلننظر إلى جراح يسوع لنرى كيف جعل قنوات مغفرة ورحمة تنبع منها. وتابع البابا متخيلا دهشة توما الرسول حين رأى كيف تزول شكوكه ومخاوفه أمام عظمة الله، وأضاف أن هذه هي الدهشة التي تولد الرجاء، وهذه الدهشة هي ما دفعت القديس توما إلى الانطلاق وعبور حدود جديدة كي يكون أباكم في الإيمان، قال البابا لضيوفه، داعيا إياهم إلى إنماء دهشة الإيمان هذه التي تُمَكننا من تجاوز أية عقبات. ثم دعا قداسته المؤمنين مختتما كلمته إلى الصلاة من أجل وحدة كنيستهم والتعاون من أجل هذه الوحدة، وذلك لا فقط في كيرالا، بل في الهند كلها وفي العالم بأسره.