أجمل وأثمن رسالة يتكلم عنها الكتاب المقدس هي لغة المحبة، فلو لم تكن المحبة الإلهية في صميم الكتب المقدسة لما بقي هنالك شيء، فكل شيء ينبع منها ويحيا بموجبها وينتهي إليها، فالمحبة هي المحرك لهذا الكون الذي خلقه الله وَلِمَا يريدنا الله أن نكون عليه.
صحيح أن هذه اللغة أصبح الحديث عنها صعب في عالم اليوم حيث الجشع والطمع والحقد والكراهية والأنانية، ولكن لا يمكن أن يستقيمَ عالمُنا بدون هذه اللغة، فكل القوانين والأنظمة والتشريعات يجب أن تؤول إلى ترتيب وتنظيم الحياة البشرية وزرع المحبة والوئام بين بني البشر، إذ لا يمكن أن يعمر الكون ويتطور بدون لغة مشتركة تربط الجميع وتكون أساس العمل والعطاء والخدمة.
فكل عمل وكل مسعى وكل جهد لا ينبع من أساس المحبة يبقى ناقصا، فمحبتنا لِمَا نعملَ من كلِّ القلب سببَ نجاحنا وتفوقنا وإبداعنا، فمن يحب شيئاً يعطيه كلَّ شيء، يعطيه من وقته ومن جهده وما ماله ولا يدخّر جهداً في التضحية حتى من أجل تحقيقيه. فمحبتنا لأوطاننا مثلاً إن لم تنبع من عقيدة المحبة وبذل الذات في سبيل الدفاع عنه فلن تكون محبتنا صادقة ولا تشكل لدينا عقيدة الذود عنه في الأوقات الصعبة والحرجة.
ولذلك يضع أمامنا الكتاب المقدس أهم مفتاح للنجاح في حياتنا وهو مفتاح المحبة النابعة من قلب محب، وعلى رأسها محبة الله، فبدون محبة الله من كل القلب ومن كل النفس والفكر والقدرة لا يمكن أن نعبده العبادة اللائقة التي تُسّر قلبه وتبهجه، وبدون هذه المحبة لا يمكن أن نقدر أن نحب الآخرين، لأنَّ نار الغيرة والأنانية تأكلنا، ونجاح الآخرين يحرق قلوبنا، فلا يبق في قلوبنا إلا مكان للأذى وتدمير الآخرين وإحباطهم. ولكن إن امتلئت قلوبنا من محبة الله التي لا حدود لها والمفعمة بالرحمة والرأفة، عندها فقط نقدر أن نحب الآخرين محبتنا لأنفسنا، لأننا بذلك نكون حقاً “أولاد الله”، مولودين من الله من فوق. فبدون هذه الولادة الروحية لا يمكن أن تكون محبتنا صادقة وأمينة، وكذلك لا يمكن أن نقدر أن نغلب هذا العالم الشرير المليئ بالشهوات والشرور. فهذه الولادة الروحية من عند أبي الأنور بقوة وعمل الروح القدس الحال فينا، وبقوة إيماننا الثابت واليقين بمحبة الله الفياضة نحونا نقدر أن نخوضَ غمار بحر هذا العالم الهائج وننتصر.
فرسالتنا في الحياة أن نظهرَ لجميع الناس مهما اختلفوا عنَّا عمقَ وعلو وعرض وطول محبة الله في حياتنا، فهذه المحبة لا تسقط أبداً، وهي اللغة الوحيدة القادرة أنْ تحفظنا من كلّ شّر وتقود خطواتنا في طريق الخير والصلاح. فثباتنا في المحبة هو ثبات الغصن بالكرمة، وبهذا يتمجد الآب السماوي بثمر محبتنا الكثير ويكون فرح الله فينا ويكمل فرحنا.