“في هذا اليوم المخصص للمهاجرين واللاجئين، لنتحد في الصلاة من أجل جميع الذين اضطروا إلى ترك أرضهم بحثًا عن ظروف حياة كريمة. لنشعر وكأننا في مسيرة معهم، ولنعقد “سينودسًا” معًا، ولنوكلهم جميعًا إلى شفاعة الطوباوية مريم العذراء، علامة الرجاء الأكيد والتعزية في مسيرة شعب الله الأمين” هذا ما كتبه قداسة البابا فرنسيس في رسالته بمناسبة اليوم العالمي العاشر بعد المائة للمهاجرين واللاجئين
تحت عنوان “الله يسير مع شعبه” صدرت ظهر الاثنين الثالث من حزيران يونيو رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي العاشر بعد المائة للمهاجرين واللاجئين الذي سيحتفل به في التاسع والعشرين من أيلول سبتمبر ٢٠٢٤ جاء فيها في ٢٩ تشرين الأول أكتوبر ٢٠٢٣، اختتمت الدورة الأولى للجمعية العامة العادية السادسة عشرة لسينودس الأساقفة التي سمحت لنا بالتعمق أكثر في السينودسية كدعوة أصلية للكنيسة. “تظهر السينودسية بشكل أساسي كمسيرة مشتركة لشعب الله وكحوار خصب للمواهب والخدمات في خدمة مجيء الملكوت”. إن التركيز على البعد السينودسي يسمح للكنيسة بإعادة اكتشاف طبيعتها المتجولة، كشعب الله الذي يسير في التاريخ، كحاج، لا بل يمكننا القول كـ “مهاجر” نحو ملكوت السماوات. تأتي تلقائيًّا، الإشارة إلى رواية الخروج البيبليّة التي تقدّم شعب إسرائيل في مسيرته نحو أرض الميعاد: رحلة طويلة من العبودية إلى الحرية تستبق رحلة الكنيسة نحو اللقاء الأخير مع الرب. وبالطريقة عينها، من الممكن أن نرى في مهاجري زمننا، كما في مهاجري كل عصر، صورة حية لشعب الله في مسيرته نحو وطنه الأبدي. إن رحلات الرجاء التي قاموا بها تذكرنا بأن “موطننا في السماوات ومنها ننتظر مجيء المخلص الرب يسوع المسيح”.
تابع البابا فرنسيس يقول إنَّ الصورتين – صورة الخروج البيبليّة وصورة المهاجرين – تظهران أوجه تشابه مختلفة. مثل شعب إسرائيل في زمن موسى، غالبًا ما يهرب المهاجرون من حالات القمع والاستغلال، وانعدام الأمن والتمييز، غياب آفاق التنمية. مثل اليهود في الصحراء، يواجه المهاجرون العديد من العقبات في مسيرتهم: يمتحنهم العطش والجوع؛ وينهكهم التعب والمرض، ويغريهم اليأس. لكن الحقيقة الأساسية للخروج، لكل خروج، هي أن الله يسبق ويرافق مسيرة شعبه وجميع أبنائه، في كل زمان ومكان. إن حضور الله وسط الشعب هو يقين لتاريخ الخلاص: “إن الرب إلهك هو السائر معك ولا يهملك ولا يتركك”. بالنسبة للشعب الذي خرج من مصر، يتجلى هذا الحضور في أشكال مختلفة: عمود سحاب ونار يشير إلى الدرب وينيرها؛ خيمة الموعد، التي تحفظ تابوت العهد، وتجعل قرب الله ملموسًا؛ العصا مع الحية النحاسية التي تضمن الحماية الإلهية؛ المن والماء عطايا الله للشعب الجائع والعطشان. إنَّ الخيمة هي شكل من أشكال الحضور العزيز على الرب بشكل خاص. ففي عهد داود، رفض الله أن يُغلق في هيكل، لكي يستمر في الإقامة في خيمة، ويتمكن هكذا من أن يسير مع شعبه، ” من خيمة إلى خيمة ومن مسكن إلى مسكن”.
أضاف الأب الأقدس يقول يختبر العديد من المهاجرين أن الله هو رفيق سفرهم ودليلهم ومرساة خلاصهم. فيستودعونه أنفسهم قبل الرحيل ويلجأون إليه عند الحاجة. فيه يطلبون العزاء في لحظات الإحباط. وبفضله، يجدون سامريين صالحين على طول الطريق. إليه في الصلاة، يوكلون آمالهم. كم من الكتب المقدسة والأناجيل وكتب الصلاة والمسابح التي ترافق المهاجرين في رحلاتهم عبر الصحاري والأنهار والبحار وحدود كل قارة! إن الله لا يسير مع شعبه فحسب، بل أيضًا في شعبه، بمعنى أنه يتماهى مع الرجال والنساء الذين يسيرون عبر التاريخ – ولا سيما مع الأخيرين والفقراء والمهمشين – وكأنه يبسط ويُمدِّد سر “التجسد”. ولهذا السبب، فإن اللقاء مع المهاجر، كما هو الحال مع كل أخ محتاج، هو أيضًا لقاء مع المسيح. وقد قال لنا ذلك بنفسه. هو الذي يقرع بابنا جائعاً، عطشاناً، غريباً، عرياناً، مريضاً، مسجوناً، ويطلب منا أن نلتقيه ونساعده. إن الدينونة الأخيرة التي يرويها متى في الفصل ٢٥ من إنجيله لا تدع مجالًا للشك: “كنت غريبا فآويتموني”؛ وكذلك “الحق أقول لكم: كلما صنعتم شيئا من ذلك لواحد من إخوتي هؤلاء الصغار، فلي قد صنعتموه”. لذلك فإن كل لقاء على طول المسيرة يمثل فرصة للقاء الرب؛ وهو مناسبة مليئة بالخلاص، لأن يسوع حاضر في الأخت أو الأخ الذي يحتاج إلى مساعدتنا. وبهذا المعنى، الفقراء هم الذين يخلِّصوننا، لأنهم يسمحون لنا بأن نلتقي وجه الرب.
تابع الحبر الأعظم يقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، في هذا اليوم المخصص للمهاجرين واللاجئين، لنتحد في الصلاة من أجل جميع الذين اضطروا إلى ترك أرضهم بحثًا عن ظروف حياة كريمة. لنشعر وكأننا في مسيرة معهم، ولنعقد “سينودسًا” معًا، ولنوكلهم جميعًا، وكذلك الجمعية السينودسية المقبلة، إلى شفاعة الطوباوية مريم العذراء، علامة الرجاء الأكيد والتعزية في مسيرة شعب الله الأمين.
وختم البابا فرنسيس رسالته بمناسبة اليوم العالمي العاشر بعد المائة للمهاجرين واللاجئين رافعًا هذه الصلاة: يا الله، الآب القدير، نحن كنيستك التي تحجُّ في مسيرة نحو ملكوت السماوات. نُقيم كل منا في وطنه، ولكن كما لو كنا أجانب. كل منطقة أجنبية هي وطننا، ومع ذلك كل وطن هو أرض غريبة بالنسبة لنا. نحن نعيش على الأرض، ولكن موطننا في السماء. لا تسمح بأن نصبح سادة ذلك الجزء من العالم الذي قدمته لنا كمسكن مؤقت. ساعدنا لكي لا نتوقف أبدًا عن السير، مع إخوتنا وأخواتنا المهاجرين، نحو المسكن الأبدي الذي أعددته لنا. افتح عيوننا وقلوبنا لكي يصبح كل لقاء مع المحتاجين لقاء مع يسوع، ابنك وربنا. آمين.