عمّدنا أيها الرب بالروح القدس والنار بقلم :القس سامر عازر

إن قوَّتنا هي من قوة عمل الروح القدس فينا، يقول السيد المسيح “أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف”، فطبيعتنا الجسدية تعادي كل ما هو للروح وما هو للخير وما هو للجمال، ولوحدِها لا تقدر أن تعمل ما هو للروح وما هو لله، بل تعمل لذاتها وللذَّاتها ولشهواتها، ولا تزرع ما هو لخير الآخرين وللخير العام بل بأنانيتها لا تفكر إلا بذاتها، فلا تمتلك تلك المحبة السماوية الغيرية التي تفكر بمن حولها وبحاجاتهم وأحوالهم ومصالحهم.

لذلك، لا يستقيم عالمنا من غير هبَّة الروح القدس ومن غير تعميد الروح القدس لنا، وهذا ما نحتفل به في عيد العنصرة أو الخمسين أو عيد حلول الروح القدس على الكنيسة بعد خمسين يوماً من قيامة السيد المسيح من بين الأموات وعشرة أيام من صعوده إلى السماء، فبعدما أنجز المسيح وأكمل ما أتى لأجله، كان لا بد أن يجدد قلوب التلاميذ وقلوب المؤمنين ليشعلها بنور المحبة الإلهية النقية الصافية التي تعمل من القلب وبكل أمانة وإخلاص وتقوم بالواجبات الموكوله لها بأمانة في أي حقل من حقول الخدمة العامة التي كرسها الله لخدمة البشرية، فالمسؤول هو مسؤول بالدرجة الأولى أمام باري الكون، فمسؤوليته تنفيذ ما ائتمن عليه من واجب ومسؤولية لكي تسير الأمور على أحسن حال بعدالة وكرامة ومساواة، وليس بفوضى وعشوائية وارتجالية، فالويل لمن يسيء الأمانة ويتقاعص أمام الواجب.

فالعالم يحتاج أن يتجدد من الداخل، من أعمق أعماقه، من داخل قلبه وفكره، وهذا غير ممكن من غير معونة الروح القدس فينا، الذي يحول شكنا إلى يقين، وضعفنا إلى قوة، وتقاعصنا إلى عزم وإرادة، وأنانيتنا إلى عطاء ومحبة، عندها لا نعود نفكر بأنفسنا بقدر ما نفكر بماذا نقدر أن نقدم لعالم أراد الله له كل الخير وكل البّر وكل السلام، ” فما أجمل أقدام المبشرين بالسلام، المبشرين بالخيرات”. فمحبتنا للمسيح ليست شعارات وليست كلمات جوفاء وليست نحاسا يطّن أو صنجاً يرّن، وإنما حفظُ كلام المسيح والعمل بموجبه.

هذا ما يحول حياتنا إلى حياة الإيمان والرجاء والمحبة، هذا ما يحدث التغيير الحقيقي في قلوبنا، وهذا ما يجعل من ضعفنا البشري قوةً لعملِ الله فينا ” قوتي في الضعف تُكمل”. وكما قالت القديسة تريزا ” ليس المهم أن نعمل أعمالاً كبيرة، بل أن نعمل أعمالا صغيرة بمحبة”، فدافع المحبة يتأتى من عمل الروح القدس في حياتنا، فهو الحال فينا والباقي معنا والعامل فينا، محيِيَاً فينا تعاليم المسيح الإلهية ومذكراً لنا على الدوام بما علّمه المسيح وبما أمر به.

فقط هذا الروح في قلوبنا هو المانح لنا السلام الإلهي، “سلامي أترك لكم، سلامي أعطيكم”، فالشيء الوحيد الذي لا نقدر أن نشتريه بمال العالم هو سلام الله الفائق كل عقل، فهو هبة سماوية لمن يقبل نعمة وعطية عمل روح الله القدّوس في حياته، وهو ما يملأُ القلب شجاعة وسلاماً فلا تضطرب القلوب ولا تخاف، بل تصحب تلك الشخصية القيادية القادرة على اتخاذ القرارت الصائبة والقادرة أن تحدث التغيير في مجتمعنا وعالمنا.
إملأنا أيها الرب من روحك القدوس فنحيا حياة الروح لا حياة الجسد، آمين.