“لنوكل بثقة كنيستينا إلى شفاعة الأخوين القديسين بطرس وأندراوس، لكي يمنحنا الرب أن نسير على الدرب الذي يدلنا إليه، والذي هو دائمًا درب المحبة والمصالحة والرحمة” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى وفد البطريركية المسكونية الذي استقبله بمناسبة عيد القديسين الرسولين بطرس وبولس
بمناسبة عيد القديسين الرسولين بطرس وبولس استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح الجمعة وفدًا من البطريركية المسكونيّة، وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال أشكركم من كل قلبي على حضوركم. أنا ممتن لأخي الحبيب صاحب القداسة برتلماوس وللمجمع المقدس للبطريركية المسكونية على رغبتهما في إرسال وفد هذا العام أيضًا للمشاركة معنا في عيد شفيعي كنيسة روما القديسين الرسولين بطرس وبولس اللذين شهدا لإيمانهما بيسوع المسيح حتى الاستشهاد في هذه المدينة. إن مجيئكم في هذه المناسبة، وكذلك إرسال وفد من قبلي إلى الفنار بمناسبة عيد الرسول أندراوس، أخو بطرس، يقدمان الفرصة لاختبار فرح اللقاء الأخوي ويشهدان لعمق الروابط التي توحَّد الكنائس الشقيقة في روما والقسطنطينية، مع القرار الثابت بالمضي قدمًا معًا نحو إعادة تأسيس الوحدة التي وحده الروح القدس يمكنه أن يرشدنا إليها، وحدة الشركة في التنوع المشروع.
تابع البابا فرنسيس يقول إنَّ مسيرة التقارب والمصالحة هذه قد نالت دفعًا جديداً مع اللقاء بين البابا القديس بولس السادس والبطريرك المسكوني أثيناغوراس، الذي عقد لستين سنة خلت في القدس. بعد قرون من القطيعة المتبادلة، كان هذا اللقاء علامة رجاء عظيم، لا يكف عن إلهام قلوب وعقول العديد من الرجال والنساء الذين يتوقون اليوم إلى الوصول، بعون الله، إلى اليوم الذي يمكننا فيه أن نشارك معًا في الوليمة الإفخارستية. لعشر سنوات خلت، في أيار مايو ٢٠١٤، ذهبت أنا والبطريرك المسكوني صاحب القداسة برتلماوس كحجاج إلى القدس، لإحياء الذكرى الخمسين لذلك الحدث التاريخي. هناك بالتحديد، حيث مات ربنا يسوع المسيح وقام من الموت وصعد إلى السماء، وحيث أُفيض الروح القدس لأول مرة على التلاميذ، أعدنا التأكيد على التزامنا بمواصلة السير معًا نحو الوحدة التي صلى من أجلها المسيح الرب إلى الآب “ليكونوا بأجمعهم واحدًا”. أحافظ بامتنان على ذكرى الحج المشترك مع صاحب القداسة برتلماوس حية، وأشكر الله الآب الرحيم على الصداقة الأخوية التي تطورت بيننا خلال هذه السنوات. وقد تغذت في لقاءات عديدة، وفي مناسبات عديدة من التعاون الملموس بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية حول قضايا ذات أهمية كبيرة للكنائس والعالم، مثل العناية بالخليقة، والدفاع عن الكرامة البشريّة، والسلام.
أضاف الأب الأقدس يقول وباليقين أنني أعبر ايضًا عن مشاعر الأخ الحبيب، أود أن أكرر ما ذكرناه معا في تلك المناسبة: إن الحوار بين كنيستينا لا يتضمّن أي خطر على سلامة الإيمان، لا بل، ضرورة تنبع من الأمانة للرب وتقودنا إلى كل الحق، من خلال تبادل المواهب، تحت إرشاد الروح القدس. ولهذا السبب، أشجع عمل اللجنة الدولية المشتركة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية، التي اضطلعت بدراسة المسائل التاريخية واللاهوتية الدقيقة. آمل أن يذهب الرعاة واللاهوتيون المشاركين في هذه المسيرة أبعد من الخلافات الأكاديمية البحتة وأن يضعوا أنفسهم في إصغاء مطيع إلى ما يقوله الروح القدس لحياة الكنيسة، وكذلك أن يجد ما كان موضوعًا للدراسة والاتفاق قبولًا كاملاً في جماعاتنا وأماكن التنشئة. وإذ أتذكّر اللقاء في القدس، يتوجّه الفكر إلى الوضع المأساوي الذي تعيشه الأرض المقدسة اليوم. وفي أعقاب ذلك الحج تحديدًا، في ٨ حزيران يونيو ٢٠١٤، قمنا أنا وصاحب القداسة برتلماوس، وبحضور بطريرك الروم الأرثوذكس في القدس، صاحب الغبطة ثيوفيلوس الثالث، باستقبال رئيس دولة إسرائيل الراحل ورئيس دولة فلسطين، لكي نطلب السلام في الأرض المقدسة وفي الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم. وبعد مرور عشر سنوات، يُظهر لنا التاريخ الحالي بطريقة مأساوية ضرورة وإلحاح الصلاة معًا من أجل السلام، لكي تنتهي هذه الحرب، ويتمكن رؤساء الأمم والأطراف المتنازعة من إيجاد درب الوئام ويعترف الجميع بأنّهم إخوة. وبطبيعة الحال، تمتد هذه الصلاة من أجل السلام إلى كافة الصراعات الجارية، ولاسيما إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا المعذبة.
تابع الحبر الأعظم يقول في عصر أصبح فيه العديد من الرجال والنساء أسرى الخوف من المستقبل، تملك الكنيسة رسالة أن تعلن للجميع دائمًا وفي كلِّ مكان يسوع المسيح، “رجائنا”. ولهذا السبب، واتباعاً لتقليد قديم للكنيسة الكاثوليكية يقضي بأن يعلن أسقف روما يوبيلاً كل خمسة وعشرين عاماً، أردت أن أعلن اليوبيل العادي للعام القادم والذي سيكون شعاره “حجاج الرجاء”. سأكون ممتنًا إذا رغبتم أنتم والكنيسة التي تمثلونها أن ترافقوا وتعضدوا بصلواتكم سنة النعمة هذه، لكي لا تغيب أبدًا الثمار الروحية الوفيرة. ستصادف في عام ٢٠٢٥ أيضًا ذكرى مرور ١٧٠٠ عام على انعقاد المجمع المسكوني الأول في نيقية. آمل أن تنمِّي ذكرى هذا الحدث المهم في جميع المؤمنين بالمسيح الرب الرغبة في أن يشهدوا معًا للإيمان والتوق إلى شركة أكبر. ويسرني بشكل خاص أن البطريركية المسكونية ودائرة تعزيز وحدة المسيحيين قد بدأتا بالتفكير في كيفية الاحتفال بهذه الذكرى معًا؛ وأشكر صاحب القداسة برتلماوس على دعوتي للاحتفال بها بالقرب من مكان انعقاد المجمع. إنها رحلة أرغب من كلِّ قلبي في أن أقوم بها.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أيها الأحباء، لنوكل بثقة كنيستينا إلى شفاعة الأخوين القديسين بطرس وأندراوس، لكي يمنحنا الرب أن نسير على الدرب الذي يدلنا إليه، والذي هو دائمًا درب المحبة والمصالحة والرحمة. أشكركم مجدّدًا على زيارتكم وأسألكم من فضلكم أن تصلوا من أجلي!