استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الاثنين الماضي المشاركين في الجمعيات العامة والإقليمية لعدد من الجمعيات الرهبانية.
وعقب ترحيبه بالجميع أشار الأب الأقدس إلى أن تأسيس هذه الجمعيات يعود إلى الفترة ما بين القرنين السادس عشر والعشرين، وقال قداسته لضيوفه إنهم في تنوعهم صورة حية لسر الكنيسة الذي فيه “كُلّ واحِدٍ يوهَبُ ما يُظهِرُ الرُّوحَ لأَجْلِ الخَيرِ العامّ” حسبما ذكر بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس، وذلك كي يشع بكل جماله في العالم نور المسيح. وواصل البابا فرنسيس أنه ليس من الصدفة أن آباء الكنيسة قد وصفوا المسيرة الروحية للمكرسين والمكرسات بمحبة الجمال الإلهي ونشر صلاح الله. وشدد الأب الأقدس على أن هذا هو الطريق الذي هو بعيد تمام عن الصراعات الداخلية التي قد تحدث في بعض الأحيان، أو المصالح التي لا علاقة لها بالمحبة.
وانطلاقا من هذه المقدمة أراد قداسة البابا التأمل مع ضيوفه في جانبين من حياتهم: الجمال والبساطة. وبدأ حديثه عن الجمال فقال للحضور إن قصصهم، في تنوع الظروف والأزمنة والأماكن، هي قصص جمال، وذلك لأن فيها تَبرز نعمة وجه الله التي نراها في الإنجيل في يسوع، في يديه المتشابكتين خلال الصلاة في لحظات حميمية مع الآب، في قلبه الممتلئ بالشفقة، في عينيه اللتين توقدهما الغيرة حين يتحدث عن الظلم، في قدميه اللتين ظهرت عليهما آثار السير طويلا وصولا إلى الضواحي الأكثر مشقة وتهميشا في الأرض.
وتابع البابا فرنسيس قائلا لضيوفه إن مؤسسي ومؤسسات جمعياتهم، وبتحفيز من الروح القدس، قد نجحوا في لمس علامات هذا الجمال والرد عليها بأشكال مختلفة حسب احتياجات أزمنتهم، ساطرين صفحات رائعة من المحبة الملموسة والشَجاعة، الإبداع والنبوّة، متفانين في العناية بالضعفاء والمرضى والمسنين والأطفال وفي تنشئة السباب، الإعلان الإرسالي والالتزام الاجتماعي. صفحات، قال البابا فرنسيس للحضور، تُركت اليوم لكم أنتم كي تواصلوا العمل الذي بدأه المؤسسون.
دعا الأب الأقدس بالتالي الجميع خلال أعمال جمعياتهم العامة والإقليمية إلى السير قدما بعمل الآباء المؤسسين، ساعين مثلهم إلى مواصلة زرع جمال المسيح في ملموسية التاريخ، واضعين أنفسهم قبل كل شيء في إصغاء للمحبة التي حفزت الآباء، وجاعلين أشكال عمل الآباء، ما اختاروا وما تخلوا عنه، تسائلكم، قال الأب الأقدس، تلك الاختيارات التي قاموا بها ليكونوا لناس أزمنتهم مرآة وجه الله.
ثم انتقل الأب الأقدس إلى الجانب الثاني أي البساطة، فعاد مجددا إلى الآباء المؤسسين قائلا إن كلًّا منهم وفي ظروف مختلفة قد اختار ما هو جوهري متخليا عما هو زائد، جاعلين بساطة محبة الله التي تشع من الإنجيل تُشَكلهم يوما تلو الآخر. فمحبة الله بسيطة، قال البابا فرنسيس، وجماله بسيط. ودعا قداسته ضيوفه خلال استعدادهم لجمعياتهم إلى أن يطلبوا من الرب أن يكونوا بسطاء سواء على الصعيد الشخصي أو في الديناميات السينودسية للمسيرة المشتركة، وأن يتجردوا من كل ما هو لا حاجة له والذي يمكنه أن يعيق الإصغاء والوفاق خلال مسيرات التمييز. فلتتجردوا من الحسابات، واصل الأب الأقدس، من الطموحات والحسد والتطلب والتشدد وغيرها من إغراءات المرجعية الذاتية. وقال البابا للحضور إنهم هكذا سيتمكنون من أن يقرؤوا معا، وبحكمة، الحاضر كي يلمسوا فيه علامات الأزمنة ولاتخاذ القرارات الأفضل للمستقبل.
سلط البابا فرنسيس الضوء من جهة أخرى على أن ضيوفه كرهبان وراهبات يعانقون الفقر، وذلك كي يُفرغوا ذاتهم من كل ما لا علاقة له بمحبة المسيح، وكي يجعلوا جماله يملؤهم ويفيض على العالم في أي مكان يرسلهم إليه الرب وعلى أي أخ أو أخت يضعه أو يضعها الله على طريقهم، وذلك من خلال الطاعة، قال قداسة البابا. ووصف هذه برسالة عظيمة أوكلها الآب إليكم، واصل الأب الأقدس، أنتم الأعضاء الضعيفة في جسد ابنه، وذلك كي تُبرزوا من خلال “نَعَمكم” المتواضعة قوة حنانه الذي يطبع تاريخ كلٍّ من جماعاتكم.
وفي ختام كلمته إلى المشاركين في الجمعيات العامة والإقليمية لعدد من الجمعيات الرهبانية أراد البابا فرنسيس التشديد على ضرورة عدم تجاهل الصلاة، الصلاة من القلب، وعدم نسيان لحظات التحدث مع الرب، التحدث إليه وجعله يتحدث إلينا. وأكد على ضرورة أن تكون الصلاة من القلب بالفعل، أي تلك الصلاة التي تجعلننا نسير قُدما على درب الرب. ثم شكر الأب الأقدس ضيوفه على ما يقدمون من خير للكنيسة في الكثير من مناطق العالم، وشجعهم على مواصلة ما يقومون به من أعمال بإيمان وسخاء. هذا ودعا البابا فرنسيس الرهبان والراهبات إلى الصلاة من أجل الدعوات، فمن الضروري أن يخلفكم مَن يسير قدما بالكاريزما، قال قداسته، كما وأراد لفت الأنظار من جهة أخرى إلى ضرورة الاهتمام بالتنشئة.
وختم الأب الأقدس مؤكدا للجميع صلاته من أجلهم سائلا إياهم أن يُصلوا من أجله.