المسيح يشبع الآلاف الجائعة بقلم القس سامر عازر

في الأحد السابع بعد الثالوث يذكرنا يوحنا البشير أن الجموع قد عاينت ما كان يصنعه يسوع من معجزات، ولكنه يصّر على تسميتها بآيات. فمعجزات المسيح هي أيضا آيات بحّد ذاتها، لأنها لا تقف عند حدّ المعجزة، بل تحمل في طياتها مدعاةً للإيمان بقدرة المسيح الإلهية، فمجزات المسيح لم تكن أبدا لإبهار الجماهير بل كانت للشفاء ولإظهار قوة الله وقدرته وإظهار مجده وتحريك قوة الإيمان في قلوب الناس،
فهنالك الكثيرون مما نالوا نعمة شفاء الجسد من أمراض كثيرة نالوا ما هو أهم من ذلك وهو نعمة شفاء الروح. ومعجزات المسيح دعت نيقوديموس رئيس لليهود أن يعترف قائلا: «يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلِّماً لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَهُ».

فكثيرون اليوم قد يكونوا أصحاء الجسد ولكنهم سقماء روحياً، وكثيرون قد يعانون ويتألمون من أمراض شتى ولكن روحّهم حيّة في داخلهم، تنبض بالمحبة والإيمان والرجاء. فالسيد المسيح حمل للعالم رسالة الشفاء الكاملة، شفاء الجسد وشفاء الروح، ولذلك تهتم ككنيسة بحياة الجسد، ونسعى كخدام المسيح وسفراء عن المسيح أن نخفف من معاناة الناس الجسدية ورفع الظلم عنهم والعمل على خدمة الدياكونيا للتخفيف من معاناة الناس وأتعابهم وأوزارهم، ومساعدتهم للنهوض من جديد، .. ولكن تبقى حياة الروح هي الأبقى وهي الأسمى، فمهما كانت حاجات الجسد ضرورية وأساسية ولكنها وحدها تبقى ناقصة وغير مكتملة. فبدون إنعاش حياة الروح وإحيائها في دواخلنا يبقى جسدنا ميتاً، وبعيدا عن قيم السماء ومفاهيم السماء وعدالة السماء، وتبقى نفوسنا جائعة وعطشى لا تشبع ولا ترتوي مهما قَدّم لها العالم، فالعالم لا يقدرُ أن يُشبع جوع النفس وعطشها. وأما كلمة الله التي يقدمّها المسيح فهي قادرة أن تُشبع جوع النفس وعطشها فَتشبعَ حقاً وترتوي حق الإرتواء.

ويخبرنا الإنجيل المقدس أن كِسْرَ الخبز التي فاضت عن حاجة الجماهير المؤلفة ملأت إثنتي عشرة قفة. وهذا ما أراد يوحنا الإنجيلي البشير أن يقوله في آية إشباع الآلاف من الجماهير التي اجتمعت على ضفاف بحيرة طبريا في الجليل بأن كلمة الله الحية قادرة أن تشبع كل القلوب الجوعى والنفوس العطشى إلى البّر والحياة الأبدية، فلا يمكن أن يبقى أحد جائعاً، لأن الكلمة المقدسة تملأ كل نفس شبعاً وغنى حقيقي، وكما يقول داود النبي ” مسحت بالدهن رأسي كأسي ريّا”، فحياتنا ببعدها عن كلمة الله تفتقر إلى ما يغذيها ويشبعها ويرويها من نبع الحق الإلهي، وكلمة الله هي نبع الماء الحي “كل من يشرب من هذا الماء يعطش ومن يشرب من الماء الذي أعطيه إنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه أنا يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية”.

فما يريده المسيح منّا اليوم أن لا نحرم نفوسنا اليوم من نبع الماء الحي ومن الخبز النازل من السماء، فالنفس لا يغذيها إلا غذاء الروح، وعندما تشبع نفوسنا تدوس العسل وترفض إغراءات الشيطان فلا تسجد إلا لله تعالى ولا تخضع إلا لسلطانه ولا يستهويها إلا الحق والإستقامة والأمانة وقول الحق، فتتحرر من قيود المادة وتنتفض على الشر وتناصر الحق والعدل والكرامة الإنسانية.