الأحد الثالث عشر من زمن العنصرة
لأكثر من مرّة أنهى يسوع المعلّم تعليمه عن ملكوت الله مؤكّدًا ومسائلًا سامعيه بأن “من له أذنان سامعتان فليسمع”، لأن الإيمان به وبكلامه يأتي من السماع. طبعًا ما من إنسان ليس لديه أذنان تسمعان، إلّا الأطرش. ولكن، كلّ إنسان يسمع قادر ألّا يسمع بأذنيه كلمة الربّ، بمعنى أنه حتى ولو سمع فهو قادر ألّا يسمح لكلمة النور والحق والحياة هذه أن تدخل إلى كيانه لتعمل ما لأجله خرجت من فم الله: لتهدم فيه ما ليس من الله، وتثبّت ما هو من الله، لترمّم صورة الله في الإنسان وتبنيه ليصير إنسانًا إنسان، إنسانًا على صورة المسيح الإنسان. هذا هو المبدأ الأول لأعرف إذا كنت ممن يحسنون الإصغاء لكلمة الله: نموّي في الإنسانيّة تماهيًا مع المسيح.
في الواقع، كلمة الله تحمل بذاتها قوّة الحياة، الحياة التي من الله. ولتولّد هذه الحياة بوفرة فيمن يسمعها هي بحاجة لقلب طيّب صالح (لوقا 8: 15)، يحفظها أي يسمعها ويفهمها ويقبلها ويعيشها. لهذا، ينبّهنا يسوع إلى الفاعلين الآخرين الّذين يخاطبون قلبنا لإغوائه ومنعه من سماع كلمته: إبليس المُجرّب الذي ينتزع هذه الكلمة من قلوبنا لئلا نؤمن ونخلص (آية 12). والمحن التي نمرّ بها كالتي نعيش الآن، والتي تقود غالبًا إلى التشكيك بحضور الله وعنايته ومحبتّه (آية 13). والهموم والغنى وملذات الحياة التي تخنق هذه الكلمة فينا فلا تعطي ثمر (آية 14).
ويضيف مار بولس فاعل آخر من خبرة الكنيسة الأولى يمنع المؤمن من سماع كلمة الله، ألا وهو التعلّق بالمعلّمين في الكنيسة على حساب المعلّم الإلهي. فأقدّس كسامع ما يقوله فلان باسم يسوع، وأتبعه كالأعمى مأسورًا بسحر كلامه، وأصير مع الوقت أسيرًا له، وأنفصل عن كنيستي الأم، وأساهم في تقسيم جسد المسيح إلى شيع توّلد الحسد والخصام بين أبناء الإيمان الواحد؛ أوليس فهم كلمة الله المختلف هو في أساس انقسامات الكنيسة؟. وما أكثر هؤلاء المعلّمين اليوم من قلب الكنيسة وخارجها، نجدهم في تعددية البدع وعلى وسائل التواصل الالكتروني المختلفة.
في حين، كلّ معلّم من الله، لا يسمح لأحد أن يرى فيه سوى خادم معاون للربّ، وخادم أمين في قلب الكنيسة؛ خادم للربّ الّذي يبقى هو حجر الزاوية وهو البنّاء الحقيقي لأي مؤمن يريد أن يبني بيتًا لا يتزعزع، أي أن يبني ذاته على إيمان لا يتزعزع. وخادم في قلب الكنيسة الأم التي تحافظ على وديعة الإيمان نقيّة وتقدّمها بتعليم أمين للإنجيل والرسل والآباء الأولين، لكيما يكون معيارًا للتأكد من مصداقية وحقيقية أي تعليم عن الكلمة يُسمع على مرّ العصور. يشهد بولس قائلًا: “وأَنَا بِنِعْمَةِ ٱللهِ الَّتي وُهِبَتْ لي، وَضَعْتُ الأَسَاسَ كَبَنَّاءٍ حَكِيم، لكِنَّ آخَرَ يَبْنِي عَلَيْه: فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْه !فَمَا مِنْ أَحَدٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الأساس ٱلمَوْضُوع، وهُوَ يَسُوعُ المَسِيح” (1 قور 3: 9-11). فلنسأل أنفسنا: “لمين دايرين دينينا اليوم”؟ وبقدر ما نجيب بصدق أمام الله، نفهم ما نحن عليه من قوّة أو هشاشة في بنية شخصيتنا كمؤمنين مسيحيين.