ما أعمق الحكمة المُنادية: “لا تصدّق كل ما يُقال”. إذ لو كنّا نعيش في عالمٍ مثاليّ، لكنّا صدّقنا كلّ خبر. لكن، ما دمنا نعيش في عالمٍ مليء بالشرور، فيجب علينا أن ندقّق ونحقّق قبل أن نصدّق.
في الكتاب المقدس نقرأ أن الكذب هو أوّل خطيئة ارتُكبت في هذا العالم، وذلك حينما كذّب الشيطان على حوّاء وجعلها تسقط في خطيئة العصيان. وقد لقّب المسيح الشيطان بانّه كذّاب وأبو الكذّاب (يوحنا ٨: ٤٤). والكاذبون ليسوا فقط أولاد الشيطان بل أيضًا عبيده.
للكذب أنواع كثيرة، منها صانعو الشائعات ومروّجوها، ونقل الكلام بصورة غير صحيحة، والمبالغة، والنفاق والمحاباة، والرّياء، وأنصاف الحقائق… لكن بالخلاصة كلّهم تحت عباءة الكذب. والهدف واحد.
أجد أنّ أكذبَ النّاس هم الذين يتستّرون برداء العفّة وعند كل مفصل يحلفون ويتحلّفون بأنّهم ينطقون بالصّدق. هذا النّوع قد تقع في تجربة كذبهم وتصدّقهم، مرّات عديدة، لكن في النهاية ستنكشف ألاعيبهم وأضاليلهم، عند المؤمن الذي يُلقي همّه على الله.
ما نشهده اليوم من حفلات كذب على كافة الصّعد والمستويات، لدليلٌ واضح على أن الناس شرّعوا أبوابهم لمؤامرة الشيطان وحيَله. هناك مَن يدّعي الإيمان بالله والتبعيّة له، لكن في داخله ارتهان وولاء للشيطان. هؤلاء عاقبتهم موت الرّوح وموت الجسد، ألم يحصل هذا مع حنانيا وسفيرة (أعمال الرسل ٥)، حيث سمح حنانيا للشيطان أن يملأ قلبه بينما هو قد امتلأ سابقًا من الروح القدس. ومعنى أنه سمح للشيطان أن يملأ قلبه، أي أنه انحاز للشيطان ضدّ الروح القدس. ومن يفسد هيكل ابن الله يفسده الله (1كورنثوس ٣: ١٦- ١٧)، هذه نهاية كلّ كاذب، فليكن كلامنا: “نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ” (متى ٥: ٣٧).
الكذب خطيئة كبرى، شئنا أم أبينا، لا يهتمّ بها كثيرون اليوم، بل لا يعتبرونها خطيئة كبيرة، وأنها صارت من لوازم الحياة اليوميّة. ليتنا نراجع أنفسنا، ونتذكّر كلمات المسيح حول نعت الشيطان بالكذب وأبو الكذّابين، لنعي أنّ الكذب فعلٌ شيطاني وليس شطارة وذكاء.
قد يدفع الصادقون اثمانا باهظة في عالم يسوده الكذب، فعالمنا مقسومٌ إلى فريقين، فريق يمثّل مملكة الله، والآخر مملكة إبليس، لكن بالمحصّلة مملكة الله دائمًا منتصرة، ومَن يسلك في النور لن يعرف الظلام.