وكالة “سير” تجري مقابلة مع رئيس دير الفرنسيسكان في صور بشأن الأوضاع في جنوب لبنان.
وسط تنامي التوتر على الحدود الإسرائيلية اللبنانية أجرت وكالة الأنباء الكنسية الإيطالية “سير” مقابلة مع رئيس دير الفرنسيسكان في مدينة صور اللبنانية الأب توفيق بو مرعي الذي قدم صورة عن الأوضاع المأساوية الراهنة في المنطقة وقال إن لبنان يجد نفسه اليوم في المستنقع نفسه الموجود في غزة لافتا إلى أن جل ما يريده اللبنانيون هو أن يعيشوا بسلام وكرامة.
استهل الكاهن الفرنسيسكاني حديثه لافتا إلى أن بلدة دير ميماس التي يتردد إليها تطل على مجرى نهر الليطاني الذي يتابع سيره نحو الوادي حيث يختبئ مقاتلو حزب الله. وقال: إننا نتواجد على بعد كيلومترين فقط من مدينة المطلة الإسرائيلية وعلى مقربة من بلدة كريات شمونة، الحدودية الإسرائيلية.
تذكر وكالة “سير” قراءها بأن أبناء بلدة دير ميماس يُقدرون بحوالي ثلاثة آلاف نسمة، جميعهم مسيحيون ينتمون إلى مختلف الطوائف من كاثوليك، أرثوذكس، روم كاثوليك وبروتستنت. من بين هؤلاء ألف ومائتا شخص يقيمون في البلدة على مدار السنة، لكن بسبب الحرب انخفض هذا العدد إلى مائة وثمانين نسمة.
وفي وادي نهر الليطاني توجد بلدة لبنانية أخرى اسمها كفر كلا، والتي سُويت بالأرض بسبب القصف الإسرائيلي، كما قال الأب بو مرعي.
أوضح الراهب الفرنسيسكاني اللبناني في حديثه لوكالة “سير” أنه يقيم في مدينة صور وهو يتوجه كل يوم أحد إلى بلدة دير ميماس التي تبعد مسافة ثلاثين كيلومتراً عن صور ليحتفل بالقداس، على الرغم من القنابل والقذائف. وهو يرأس الذبيحة بحضور عدد قليل من المؤمنين المسيحيين الذين قرروا البقاء في البلدة، ويغتنم الفرصة ليحمل معه بعض الفواكه والخضار التي يسلمها إلى العائلات المحتاجة.
ولفت إلى أن الرهبان الفرنسيسكان يقدمون المساعدة أيضا للأهالي الذين لجأووا إلى بيروت هرباً من الأوضاع المتأزمة في الجنوب.
وأشار بو مرعي في حديثه لوكالة الأنباء الإيطالية إلى أن بلدة دير ميماس واقعة بين نارين، فهناك من جهة القنابل الإسرائيلية ومن الجهة المقابلة قذائف وصواريخ حزب الله. وقال إن الخوف الشديد هو سيد الموقف، موضحا أن أعمدة الدخان تتصاعد غالباً من البلدة في كل مرة تُطلق فيها القذائف والصواريخ من قبل جيش الدولة العربية أو من طرف الميليشيا اللبنانية الشيعية الموالية لإيران. وأكد أن الصلبان الموجودة في المنازل وفي حقول المسيحيين هي المدافع في وجه كل شر، وهي علامة للتوكل على الله من قبل البلدة كلها.
مضى الراهب الفرنسيسكاني يقول إنه خلال الأيام الماضية سقطت القنابل على مسافة مئات الأمتار من البيوت ومن الدير، مع العلم أن القنابل والصواريخ كانت تتساقط، منذ أسابيع قليلة، في الحقول وحسب.
ولفت إلى الجهود الدبلوماسية التي تحاول إبعاد شبح التصعيد عن المنطقة، إذ ثمة مساعي لإقناع جماعة حزب الله بإخلاء مواقعها والتراجع شمالا، إلى ما وراء نهر الليطاني، لكن هذه الجهود باءت بالفشل حتى اليوم، خصوصا وأن الميليشيا الشيعية توعدت إسرائيل بالرد على عملية اغتيال القيادي العسكري البارز في الحزب، فؤاد شكر، في مقر إقامته بالضاحية الجنوبية لبيروت.
هذا ثم لفت الأب بو مرعي إلى أن العديد من سكان المنطقة غادروا بيوتهم وبلداتهم وتوجهوا إلى بيروت، وبقي في المنطقة الأشخاص الفقراء والضعفاء وحسب. وأوضح أن بعض العائلات العاجزة اقتصاديا عن البقاء في العاصمة بدأت بالعودة إلى قراها، ما يعني أن هذه الأسر قررت الموت بكرامة في مسقط رأسها عوضاً عن الموت جوعاً في مكان آخر.
وأوردت وكالة “سير” التابعة لمجلس أساقفة إيطاليا، نقلا عن مصدر مسؤول في دير ميماس، لم يشأ الكشف عن اسمه، أن أهالي البلدة يعتاشون على الزراعة، لاسيما محاصيل الزيتون وإنتاج الزيت، مشيرا إلى أن البلدة نالت، عام ٢٠٢٣، جائزة أفضل منتج للزيت في لبنان. وأضاف المصدر عينه أن المزارعين يجدون اليوم صعوبة كبيرة في بيع إنتاجهم من الزيتون والزيت إذ يبدو أن الإسرائيليين يستخدمون في قصفهم قنابل الفوسفور، بهدف إحراق الحقول التي يختبئ فيها مقاتلو حزب الله.
تابع الأب بو مرعي يقول إن لبنان يجد نفسه اليوم في المستنقع ذاته الموجود في غزة مع أن الحرب في القطاع هي أكثر حدة وشراسة قياساً مع الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
وقال إن الإحصاءات تشير إلى وجود أكثر من مائتين وعشرين ألف مواطن لبناني نزحوا عن المناطق الجنوبية، ومن بقي هناك لم يفعل ذلك حباً بالمجازفة، إنما لعدم توفر المال. وذكّر بأن الأوضاع المادية والاجتماعية والسياسية التي تمر بها بلاد الأرز خطيرة للغاية.
وما يزيد الطين بلة وجود حوالي مليوني نازح سوري ونصف مليون لاجئ فلسطيني. كما هناك مشكلة غياب الأمن، والناس يعيشون في وضع من الخطر المستمر.
في ختام حديثه لوكالة الأنباء الكاثوليكية “سير” قال الكاهن الفرنسيسكاني اللبناني إن المواطنين اللبنانيين، لاسيما في الجنوب، يتعاطفون إنسانيا مع أخوتهم في غزة، لكنهم في الوقت نفسه يتساءلون لماذا يتعين عليهم أن يدفعوا فاتورة حرب لا يريدها أحد. جل ما يريدونه هو أن يعيشوا بسلام وكرامة.