تأمل غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا 21

الأحد الحادي والعشرون من الزمن العادي ب 

يوحنا 6: 60-69 

في ختام خطاب يسوع في انجيل يوحنا الفصل السادس، كما في حوارات ورموز أخرى مختلفة رواها يوحنا، يتشكل مجموعتين من الحاضرين: فهناك من يتقبلون الكلمة ويفهمون معنى الرمز، وهناك من يرفضونها ولا يؤمنون بها. 

إن الرمز موجه للجميع. ولكن هناك من يسمحون لنعمة الله وعطيته التي تظهر من خلال أعمال يسوع أن تلمسهم فتتغير حياتهم. وهناك من يواجهون صعوبة أكبر في فتح قلوبهم، فلكل شخص توقيته وطريقته الخاصة. ولكن هناك شيء واحد مؤكد: الآب لا يتوقف أبدًا عن جذبنا إليه، كما ذكر يسوع مرات عديدة في هذا الخطاب. إنه يفعل ذلك واثقًا من أنه في نهاية المطاف، سوف تنفتح قلوب الجميع. 

ما الذي يمكن أن يخترق قلب الإنسان القاسي؟ 

يتيح لنا مقطع اليوم فرصة للتأمل. 

فقط كلمة عميقة وعسيرة مثل تلك الموصوفة في يوحنا 6: 60 يمكن أن تؤثر على قلب قاسٍ. لا يقدم يسوع رؤية سطحية أو مقيدة، ولا خطة ضعيفة ومخيبة للآمال. بل يقدّم لنا طريقًا جادًا وهادفًا، جديرًا بالخلاص الذي منحنا إياه، مما يمكّننا من أن نعتنق ملء عطية الله بالكامل. 

يجب أن يكون الطريق إلى هذه العطايا جادًا وشاقًا، وأن ينخرط بعمق في مجمل التجربة الإنسانية. لا يتعلق الأمر بمجرد تغيير سطحي بل بمسيرة نحو الوحدة والأخوة والمشاركة الحقيقية. إن الكلمة العسيرة هي التي تنقلنا من “أنا” الفردية إلى “نحن” الجماعية. 

وحدها الكلمة ”العسيرة“ يمكن أن تلمس قلب الإنسان حقًا وتلهم مسيرة نحو الحقيقة والحرية. 

أمام هذه التحديات هناك ردتا فعل محتملتان: أولاً، هناك حيرة أولئك الذين يجدون أن هذه الكلمة صعبة ولا يمكن اتباعها (يوحنا 6: 60). وينبع رد فعل هؤلاء من انعدام إيمانهم وثقتهم، حيث يعتقدون أن مثل هذا التحول في القلب يعتمد فقط على الجهد الشخصي. ثم تتحول هذه الحيرة إلى تذمر (يوحنا 6: 61)، على غرار ما حدث أثناء الخروج ردًا على الوعد الكبير بالحرية والحياة. 

أما ردة الفعل الثانية فتنعكس في كلمات بطرس. 

عندما يدرك يسوع تذمر التلاميذ (يوحنا 6: 61)، لا يخفف من حدة رسالته بل بالأحرى يشدّدها ويجعل كلامه أكثر “عُسرًا” (يوحنا 6: 62) وذلك بالحديث عن عودته إلى الآب وقيامته. 

عند هذه اللحظة، يطرح يسوع سؤالاً حاسمًا: “أَفلا تُريدونَ أَن تَذهبَوا أَنتُم أَيضاً؟” (يوحنا 6: 67). 

يجيب بطرس نيابة عن الجميع، مُبشرًا بفرح بزوغ فجر إنسانية جديدة واسعة قادرة على الشركة والأخوة الحقيقية. لا تعكس إجابته ردّه هو فقط، بل تعكس الصوت الجماعي للتلاميذ الآخرين فمن خلالهم أدرك نعمة الإيمان وعبّر عنها. 

إن إجابته تذكّرنا ببداية الفصل: في حضور الجمع، سأل يسوع فيليبس من أين يمكنهم أن يجدوا خبزًا يكفي لإطعام هذا العدد الكبير (يوحنا 6: 5). 

في نهاية هذا الخطاب المثقل بالتعاليم الصعبة، أدرك بطرس والآخرين أن هناك بالفعل مصدر غذاء للكثيرين، وهذا المصدر هو شخص: “إِلى مَن نَذهَب؟” (يوحنا 6: 68). 

يدرك بطرس الآن أنه ما من مكان أو فرد آخر قادر على منح الخلاص إلا الرب نفسه. 

يعلم بطرس أين يجد قوت الحياة البشرية لأنه آمن واعترف به (يوحنا 6: 69): هذان فعلان أساسيان. 

فالإيمان أمر جوهري يمثل علاقة تقوم على الثقة والاتكال على الرب. 

ومن المهم بالقدر ذاته هو فعل المعرفة. 

في الكتاب المقدس، أن نعرف الله يعني أن نختبر أعماله التي تخلّصنا وتحرّرنا، إنها تنطوي على مواجهة حضوره الذي لا يتركنا. 

لا يقتصر بطرس على معرفة يسوع من خلال ما سمعه عنه فحسب، بل من خلال معرفته بأنه هو الذي يهبه الحياة. يأتي هذا الفهم من خلال تعاليم يسوع العسيرة، التي يمكن أن تثير الحيرة في نفوسنا وتختبرنا. هذه التعاليم تطالبنا بالاختيار، وتمنعنا من التهاون وتوجّهنا باستمرار إلى الطريق الصحيح، وتمدّنا بالقوت الحقيقي بخبز الحياة. 

+بييرباتيستا