داخل ما يسمى اليوم “جامع بني أُميّة الكبير” في دمشق وتحت هذه القبّة التي تشاهدها في الصورة، يُحفَظ جزءٌ من رفات القديس النبي السابق المجيد يوحنا المعمدان، وهو على الأرجح من رأس القديس، وذلك منذ أن كان كنيسة كبيرة شيّدها إمبراطور الروم ثيودوسيوس الأول (347 – 395) في أواخر القرن الرابع الميلادي، وكرّسها على إسم هذا القديس العظيم، ووضع فيها جزء من رفاته الشريفة.
عندما تمكّن العرب من إحتلال دمشق عام 634م قاموا بتحويل جزء من الكنيسة إلى مسجد، وفيما بعد قام الخليفة الوليد بن عبد الملك بتحويل كامل الكنيسة إلى مسجد سنة 706م
في عهد الخلافة الفاطمية (1171- 969) والذي كان من أشدّ العهود قهراً واضطهاداً للمسيحيين في سورية، أمر والي دمشق بإزالة قبر القديس يوحنا المعمدان من مكانه داخل الجامع الأموي. فجاء العمّال المُكلّفون ليباشروا عملهم، وما أن كادت تهوي الضربات الأولى للمطارق والمعاول لإزالته، حتى نَفرَ من الضريح سيلٌ غزيرٌ من الدم، وجرى باتّجاه منطقة “باب مصلّى” التي كانت سابقاً “ميدان الحَصى” الذي كانت تجري عليه سباقات الخيل، وتقع عند تقاطع شوارع إبن عساكر – المجتهد – الميدان – الزاهرة.
أُصيب العُمّال بالذُعر الشديد والذهول مما حصل، وسرعان ما إنتشر الخبر في دمشق كلّها، وجاء والي الشام بنفسه لينظر ما حدث، وسارع أيضاً الأئمّة والمشايخ إلى المكان، وبدؤوا بالأدعية والصلوات من أجل إيقاف جريان الدم، ولكن دون جدوى!!! عندئذ أُبلغَ مطران دمشق الذي توجه إلى المكان يرافقه جمعٌ من الكهنة والشمامسة والرهبان الروم، فلمّا وصلوا إلى المكان بدأوا يتلون الصلوات… عندئذ توقّف الدم عن الجريان والامتداد، وبدأ بالانكفاء والانقطاع تدريجياً حتى دخوله إلى الضريح!
بعد تلك الواقعة تراجع الوالي عن قراره وأمر بإبقاء المقام داخل الجامع الأموي على حاله. ويقال أيضاً أنّ سبب تسمية المقهى المعروف قرب الجامع الأموي ب “مقهى النوفَرة” يعود إلى هذه الحادثة، أي نسبةً إلى “نفور الدم” من داخل القبر، وأنّ “باب مصلّى” أُطلقت عليه لاحقاً هذه التسمية نسبةً إلى “صلوات” الأساقفة والكهنة الروم التي أُقيمت بقربه من أجل إيقاف سيل الدم.
هذا ما حفظته الذاكرة الشعبية المسيحية الدمشقية، وورد ذكره أيضاً في مخطوط تاريخي موجود في دير سيدة البلمند البطريركي في لبنان.
بقلم: الأب رومانوس الكريتي
المراجع:
- كتاب نزهة الأنام في محاسن الشام ، نقلاً عن إبن عساكر ، أهم الوثائق التي تؤرخ لدمشق.
- سور دمشق وأبوابها/ د. جوزيف زيتون