حياتُنا إمَّا أنْ تقادَ بروحِ اللهِ القدّوس أو أنْ تقادَ بروحِ العالمِ الشرير. فروحُ الله هو مغاير لروح العالم، روح الله يقودنا نحو شريعة الله وحكمة الله ومحبة الله ومرضاة الله، وأما روحُ العالم فيجتذبنا إلى شهوات العالم ومسَّراته وأفكاره البعيدة عن القيمِ والمثُلِ العُليا والصدقِ والأمانةِ والإخلاص، فيفقد عندها الإنسان إنسانيتَه ويفقد الغايةَ السامية من وجوده، ويأخذ بالتمحورِ حولَ نفسه ” يا نفس لك خيرات كثيرة لسنين عديدة، كلي واشربي وامرحي”. ولذلك فالإنسان أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن ينقادَ بروح الله المحيي أو أن ينقادَ بروح العالم المضلل.
وعلينا أن لا نخلط مفهوم “العالم” الذي نعيش فيه ويجب أن نحيا فيه كبشر وبين “روح العالم” البعيد عن فكر الله وقلب الله. فنحن وإن كنا نحيا في هذا العالم، لكننا لا يجب أن نكون من تفكيره بشيء أو من مبادئه ومنهجه، لأننا بذلك سنخسر حتماً شركتنا مع الله سبحانه وتعالى، وبالتالي نخسر حياتنا “فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه”.
وعن إمتلائنا بروح الله القدوس فهذا يمنحنا نعمة البنوة الإلهية لنعيشَ بقوَّةِ الحرِّيةِ لا بأسَرِ العبودية. فالعبودية تُبقي الإنسانٌ عاجزاً لا حولَ له ولا قوة، مكبَّل اليدينِ والرجلينِ والفكرِ ومسلوبَ الإرادةِ ولا يقوى على شيء، ولكنَّ الإنسان الحُّر هو الإنسان الذي تحرَّر من نير العبودية ومن الخوف وحلّق بعيداً في فضاء السعي نحو ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان كما أرداها الله، فلا يكون متلونّا وفق المصالح والمطامع.
والحياة اليوم تحتاج أمثالَ هؤلاء القادةِ الذي امتلئوا من روح الله القدوس فإمتلكوا الشجاعةَ وقوةَ التغييرَ والقدرة أن يقودوا المجتمعات نحو الرقي والعلياء والسؤدد وليس إلى الهلاك والدمار والخراب. وفوق كل شيء فإنَّ وعدَ الله صادق وأمين أن يقفَ إلى جانبهم وإلى جانب الحقِّ ولن يتخلى عنهم، وخصوصاً عندما يناجوه بكلمة “أبانا” أي الآب السماوي الذي مسَّرُتهُ بأبنائه ومستقبلهم.
وأمثال هؤلاء ليسَتْ طريقُهم معبَّدًة بالورود والياسمين، بل عليهم أن يحملوا الصليب ويتحمَّلوا الآلام في سبيلِ تحقيق الأمجاد التي يسعون لأجلها، فما من سنبلة تموت إلا وتملأ الوادي سنابل، فالحياةُ تعبٌ ونجاح، خيبة ورجاء، حزنٌ وفرح، موتٌ وقيامة، وطوبى لمن يَجِّدَ في طريق المجد.