علّمنا القديس إسحق السرياني قائلًا: “إن متَّ قبل أن تموتَ، فلن تموتَ عندما تموت”. الموت بالنسبة لهذا القدّيس هو إخلاءٌ متواصل للتخلّص من الأنانية والتكبّر وتأليه الذات. نحن مدعوون أن نُميتَ البشاعة الروحيّة والخطايا التي نعيشها ونترك الأحقاد حتى نرث القيامة عند انتقالنا من هذه الحياة الفانية إلى رحاب الحياة الأبديّة. مدعوّون أن نميت شهواتنا لكي نكون خليقة جديدة، بخلعنا الإنسان العتيق ولبسنا الإنسان الجديد.
علينا في حياتنا أن نتدرّب على فكرة الموت، حتّى لا ننصدم عند فقداننا للأحبّة. حين يموت شخصٌ نحبّه، من الطبيعي أن تسيل دموعنا حزنًا لأننّا سنشتاق إليه. لقد ترسّخت عندي القناعة المطلقة بأنّ الرب يعرف كيف يتدخّل لتعزية المحزونين. فبعد خسارة شخص في الموت، قد تتخدَّر احاسيس الانسان ويقع فريسة مشاعر متنوّعة، مثل الصدمة والأسى وربما الذّنب والغضب، والكفر أحيانًا ومعاتبة الرب بشكل كبير. وبما أن كلّ شخص يتألّم على طريقته، فربما لا يختبر جميع هذه المشاعر، او قد يعبِّر عن حزنه بطريقة تختلف عن الآخرين. مع ذلك، لا يجب أن يتردَّد الحزين في التعبير عن أحاسيسه حين يشعر بالحاجة الى ذلك، لذا أدعوه ألا يحبس دموعه. الرب يسوع نفسه بكى على لعازر (يوحنا ١١: ٣٥).
عبِّر عن حزنك الى أن تتحرَّر من الألم الذي يحزّ في نفسك، فلن تلاقي عندها سوى الرب مرافقًا لك وحاملًا لك في ضعفك.
هناك مقولة سمعتها من أحد الآباء، الذي أشار إلى أنّه عند ولادة الطفل، يخرج باكيًا من رحم أمّه، والكلّ يضحك ويفرح لولادته، وعندما يموت أحدهم، يذرف الأحبّة عليه الدّمع بمرارة، بينما الميّت الوحيد هو الذي يضحك لملاقاته وجه الله.
ما من شيء يمنع الحزين من معاتبة المسيح، تساؤلات مشروعة يمكننا توجيهها إلى يسوع المسيح، وفي هذا الإطار كان القدّيس أنطونيوس الكبير يوماً يسبر عمق أحكام الله فسأله: “یا رب لماذا يموت البعض في ريعان الشباب ويبلغ آخرون منتهی الشيخوخة؟… ولماذا يوجد فقراء وأغنياء؟، … ولماذا نرى أشراراً يُثرون وأبراراً يفتقرون؟ وإذا بصوت يجيبه: أنطونيوس اهتمّ بنفسك. إنها أحكام الله ولا تناسبك معرفتها”.
الحزن شيء طبيعي، لكنّنا نحزن برجاء. هذا ما علّمنا إيّاه الرسول بولس بقوله: “ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ.” (١ تسالونيكي ٤: ١٣).
إن كنّا نؤمن أنّ الرب يسوع قد مات وقام، فإن المؤمنين الراقدين، الذين تشعرون بالقلق من جهة مصيرهم، فإنّ الرب سيقيمهم ويحضرهم أحياء معه. فهو الرأس ونحن أعضاء الجسد، وما يحدث للرأس لا بُدّ أن يحدث للأعضاء. لا ننسى أنّنا أبناء القيامة والحياة الأبديّة، هذا هو إيماننا، وهذه هي تعزيتنا.
الى روح الأحبة جورج، كريس وجاد، وكثر من الشباب الذين رقدوا بالرب وانتقلوا من بيننا ألف تحية. سلام الرب يسوع معهم ومع ذويهم، آمين.