صدرت هذا الثلاثاء رسالة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالمي التاسع والثلاثين للشبيبة، والذي سيُحتفل به في الرابع والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر المقبل حول موضوع “الراجون للرب يسيرون ولا يتعبون”.
كتب الحبر الأعظم في رسالته: بدأنا في السنة الماضية السير على طريق الرجاء نحو اليوبيل الكبير، واستعدادا للحج اليوبيلي نستلهم النبي أشعيا الذي يقول: “الرَّاجونَ لِلرَّبّ، […]، يَسيرونَ ولا يَتعَبون” (أشعيا ٤٠، ٣١). ولفت البابا إلى أن هذه الجملة مأخوذة مما يسمى بسفر التعزية الذي تُعلَن فيه نهاية سبي إسرائيل إلى بابل، وبداية مرحلة جديدة من الرجاء، والولادة الجديدة لشعب الله الذي يستطيع العودة إلى وطنه بفضل “طريق” جديد يفتحه الله لأبنائه عبر التاريخ.
تابع البابا قائلا: نحن أيضا نعيش اليوم في زمن يتسم بأوضاع مأساوية، تبعث على اليأس وتمنعنا من النظر إلى المستقبل بنفس هادئة مطمئنة: مأساة الحرب، والظلم الاجتماعي، وعدم المساواة، والجوع، واستغلال البشر والخليقة. وأكد فرنسيس أنه في كثير من الأحيان، يدفع الشباب الثمن الكبير ويشعرون بعدم اليقين بشأن المستقبل ولا يرون منافذ أكيدة لأحلامهم، وبالتالي لا بد أن يصل إليهم إعلان الرجاء أيضا: اليوم أيضا يفتح الله أمامهم طريقا – على غرار شعب إسرائيل – ويدعوهم إلى اتباعه بفرح ورجاء.
بعدها أكد الحبر الأعظم أن حياتنا هي رحلة حج، رحلة تدفعنا إلى ما هو أبعد من أنفسنا، ورحلة بحث عن السعادة. كما أن الحياة المسيحية هي حج نحو الله، خلاصنا وكمال كل خير. ومن الطبيعي أنه على الرغم من أننا نبدأ مسيرتنا بحماس، إلا أننا عاجلا أم آجلا نبدأ بالشعور بالتعب. وما يسبب القلق والتعب الداخلي هي أحيانا كثيرة الضغوط الاجتماعية، التي تدفع الإنسان للوصول إلى معايير معينة من النجاح في الدراسة والعمل والحياة الشخصية. وعلى الرغم من ذلك، يتكون لدينا انطباع بعدم القدرة على فعل ما يكفي وعدم الوصول إلى المستوى المطلوب.
هذا ثم شدد البابا على أن الحل للتعب هو عدم البقاء واقفين لنستريح. بل هو أن ننطلق في مسيرة ونصير حجاج رجاء. وتوجه إلى الشبيبة قائلا: سيروا في الرجاء، الرجاء يتغلب على كل تعب، وكل أزمة، وكل قلق، ويعطينا دافعا قويا لمتابعة السير، وهو عطية نقبلها من الله نفسه: فهو يعطي معنى لوقتنا، وينير لنا مسيرتنا، ويبين لنا الاتجاه وهدف الحياة.
مضى البابا إلى القول إن حج الحياة والمسيرة نحو هدف بعيد لا يزالان متعِبَين، كما كانت الرحلة في الصحراء نحو أرض الميعاد لشعب إسرائيل. ولفت في هذا السياق إلى أن أوقات الأزمات ليست أوقاتا ضائعة أو عديمة الفائدة، بل يمكنها أن تكون فرصا مهمة للنمو. فهي لحظات تنقية الرجاء. وفي هذه اللحظات، لا يتركنا الرب يسوع، بل يقترب منا بأُبوته ويعطينا دائما الخبز الذي ينشط قوتنا ويعيدنا إلى مسيرتنا. وفي لحظات التعب أثناء حجنا في هذا العالم، لنتعلم أن نستريح مثل يسوع وفي يسوع. هو، الذي أوصى التلاميذ أن يستريحوا بعد أن رجعوا من الرسالة، يدرك حاجتكم إلى راحة الجسم، لكن هناك راحة أعمق وهي راحة النفس، التي يبحث عنها كثيرون وقليلون يجدونها، والتي توجد فقط في المسيح.
هذا ثم كتب فرنسيس في رسالته: أيها الشباب الأعزاء، الدعوة التي أوجهها إليكم هي أن تنطلقوا في مسيرة، وتكتشفوا الحياة، على خطى المحبة، وتبحثوا عن وجه الله. لا تنطلقوا في رحلتكم مجرد سائحين فقط، بل حجاجا. أي لا تكُنْ مسيرتكم ببساطة مرورا في أماكن الحياة بطريقة سطحية، السائح يفعل ذلك. أما الحاج، فينغمس بكل نفسه في الأماكن التي يمر بها، ويجعلها تتكلم، وتصير جزءا من بحثه عن السعادة. من هذا المنطلق إن حج اليوبيل يهدف لأن يصير علامة الرحلة الداخلية التي نحن كلنا مدعوون إلى أن نقوم بها، لكي نصل إلى الهدف النهائي.
بعدها تمنى البابا أن يستطيع الكثيرون من الشباب أن يأتوا إلى روما في رحلة حج ليعبروا من الأبواب المقدسة. كما ستكون هناك إمكانية للجميع أن يقوموا بهذا الحج في الكنائس الخاصة أيضا لإعادة اكتشاف المزارات المحلية الكثيرة التي تحمي إيمان وتقوى شعب الله المقدس والمؤمن. وأمل فرنسيس أيضا أن يصير حج اليوبيل هذا لكل واحد منا “لحظة لقاء شخصي وحي مع الرب يسوع، “باب الخلاص”.
في ختام رسالته دعا البابا الشباب لأن يختبروا عناق الله الرحيم، ويختبروا مغفرته، ومَحوَ جميع “ذنوبهم الداخلية”، وهكذا يصيرون هم أيضا أذرعا مفتوحة لأصدقائهم وأقرانهم الكثيرين الذين يحتاجون أن يشعروا بمحبة الله الآب. وأضاف: “ليقدم كل واحد منكم ولو ابتسامة فقط، أو علامة صداقة، أو نظرة أخوية، أو إصغاء صادقا، أو خدمة مجانية، ونحن نعلم أن ذلك يمكن أن يصير، في روح يسوع، بذرة رجاء مثمرة لدى من يَرَوْنها منا وتصيرون هكذا مرسلين للفرح لا يكلون”.
هذا ثم دعا البابا إلى رفع عيون الإيمان نحو القديسين الذين سبقونا في مسيرتهم، والذين وصلوا إلى الهدف، وهم يعطوننا شهادتهم المشجعة. وكتب: تشجعوا أحملكم جميعا في قلبي وأوكل مسيرة كل واحد منكم إلى مريم العذراء، حتى تعرفوا على مثالها، أن تنتظروا بصبر وثقة ما ترجونه، وتبقوا سائرين حجاجَ رجاء ومحبة.