الأحد الثالث بعد الصليب بقلم الخوري شوقي كرم


يشبّه يسوع ما سيحدث يوم الدينونة الأخيرة، أيّ يوم المجيء الأخير بما صار أيام نوح: إنه خلق جديد، وبداية بشرية جديدة. هذا الخلق سيأتي في ساعة لا يتوّقعه أحد. لكن يسبق إعلان مجيئه دعوة للتوبة، وهذا ما فعله يسوع ويكرّر بواسطة الكنيسة التي تعلن الإنجيل كل يوم.
كما في أيام نوح، الذين خلصوا هم نوح وأفراد عائلته، الذين سمعوا كلمة الله ودخلوا السفينة، وصدّقوا وعده، وآمنوا به وعاشوا على رجاء تحقيقه، وشهدوا تحقيقه. والذين سيخلصون من بيننا، هم الذين يسمعون كلمة الله ويثقون بها ويعيشون بحسبها كل يوم، ويقبلوا الدخول إلى السفينة، إلى الكنيسة، التي ساريتها الصليب.
أمّا الهالكون فهم الذين يعيشون للعالم ومثل أبناء هذا الدهر، لا يهتّمون لكلمة الله ولا لوعوده، وهم كما يسميّهم بولس أعداء صليب المسيح: إلههم بطنهم. مجدهم عارهم. همّهم في الأرض؛ أيّ قلبهم مأخوذ بأمور هذا العالم من أكل وشرب ولبس ومال وسلطة وملذّات عالمية.
لذلك يشدّد يسوع على أن السؤال الأهم بالنسبة للمجيء الثاني والدينونة الأخيرة، ليس حول معرفة الوقت، فهي تأتي في ساعة لا أحد يعرفها، لا نبّي ولا قديس ولا كاهن ولا حتّى يسوع نفسه كما سبق فقال، بل الآب وحده، بل حول كيفية الاستعداد لاستقبال هذا المجيء الثاني: التيقظ والسهر الروحي.
اليقظة من الانجراف وراء المعلّمين المُضللين الذين يبهروننا بأعمالهم الخارقة وتعليمهم المنّمق.
أمّا، السهر فيعني عيش حالة انتظار يوميّ ودائم لمجيء العروس، ينعشه الرجاء بأنه حتمًا سيأتي، ويحييه الإيمان، الذي نغذّيه بما نتبناه من خيارات مسيحية خلال حياتنا اليومية: خيار الحب والرحمة والرأفة والعدالة والامانة…
السهر يعني العمل على أن تتجلى فينا صورة المسيح التي صرنا عليها في المعمودية. ولكي تتجلّى صورة الابن فينا، فنحن مدعوون أن نثبت في المسيح، أي أن نحيا به ويحيا فينا، وأن نتشبه به ونقتدي بمثاله في سيرتنا. هذا يعني عمليًا التحول فكرًا وقلبًا وضميرًا إلى يسوع المسيح، حتى يصير فكره فكري، وعاطفته عاطفتي، وأحكامه أحكامي.
السهر يعني أيضًا التبنّي لصليب المسيح في حياتنا، أيّ المشاركة في موت المسيح، بالتخلّي والموت عن الذات، عمّا أريده أنا، والتحوّل إلى طلب ما يريد الله والطاعة والاستسلام الكلي لمشيئته، وببذل النفس بحب في سبيل الآخرين. هذه المشاركة هي طريق المشاركة في مجد القيامة.
فإذا كان كل إنسان يعرف من خلال انتمائه العائلي والوطني. فالمسيحيّ، يُعرف من خلال انتمائه لعائلة المسيح (الكنيسة) ولوطنه الحقيقي (ملكوت السماوات). لذلك لا يمكنه أن يكون من الذين إلههم ما في العالم، بل من الذين يعيشون التزاماتهم الأرضيّة تشبّهًا واقتداءً بالمسيح ومعه ولأجله، وعيونه معلّقة بالمجد الذي ينتظره.
قوّينا يا روح الله لأن نعمل ساهرين لأجل خلاصنا وخلاص الآخرين وَفْقَ دعوة المسيح لنا. آمين.