أنْ نَكونَ أغنياءَ لله .. على أعتاب عيد الشكر بقلم القس سامر عازر

نقف على أعتابِ عيد أحدِ الشكر في الأحد الأول من شهر تشرين أول من كل عام، وأول ما يجب أن نشكرَ الله عليه أنَّهُ ما زال عنصرُ الخيرِ قائماً في عالمنا، وما زال هناك أشخاص يتمتعون بالحِّس والمسؤولية الوطنية والإنسانية والروحية تجاه قضايا العدالة والسلام والوئام ويدفعون حياتَهم ثمناً لذلك. وهذا ليس بمستغربٍ لأنَّ إلهُنا هو إله العدالة والسلام ولا يرضى بالظلم والقهر والطغيان ويسمع أنين الناس وينصفهم ولو بعد حين. لذلك نصلي في أحد الشكر أن يقيمَ اللهُ في وَسطنا وفي عالمنا أمثالَ هؤلاءِ الناس الأمناء العاملين على إنصاف الشعوب والأمم ودعمهم لتحقيق العدالة والكرامة الإنسانية.
ولكن أمثال هؤلاء لا يتأتى من غير أن تَعمُرَ قلوبهم نعمةُ الإيمان والرجاء والمحبة. فأخطر ما يهدد عالمنا هو روح الطمع والجشع وهي ما حذّر منها السيد المسيح في إنجيل لوقا الإصحاح الثاني عشر قائلا “انظروا وتحفظوا من الطمع فإنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله”. فالطمع يغلقُ قلب الإنسان عن عمل الرحمة والإحسان ويحول أنظاره من الأهتمام بالشأن العام والمصلحة العامة إلى التفكير فقط بنفسه وذاته، فلا يعد يهمُّهُ أكثر من راحته وأكله وشربه ومرحه، ولا يعد يكترث بالتفكير كيف يسهم في بناء عالم أقل بشاعة وأقل وحشية وأكثر إنسانية وأرحب عدالة. فكل همِّهِ أن يكنزَ لنفسه خيرات لسنين عديدة وكأنَّ أمواله وممتلكاته هي ضمانة حياته، بدلاً من أن يفكر كيف يكون غنياً لله بأن يسهم بما باركه الله ووسّع تخومه في عمل مشاريعٍ ومبادراتٍ ووقفٍ لأموالٍ تخصَّصُ للتعليم والعلاج والمعونة الإنسانية لمن يستحقها وفق شروط شفافة وموضوعية.

لذلك فنحن مدعويين لأن نكنز كنوزا تبقى وتدوم وينتقل رصيدُها إلى ملكوت السموات عملا بقول المسيح ” اكنزوا لكم كنوزاً في السماء”. فمن باركه الله وأغدق عليه من نعمه وبركاته عليه أن يتفكَّرَ كيف يسهم في امتداد ملكوت الله على الأرض بنشر قيم المحبة والسلام والعدالة والتخفيف من آلام ومعاناة الناس وتعاستهم ويسهم في تمكينهم في النهوض من جديد بقوة ورجاء. فحياتنا وإن طالت فهي قصيرة، وكل ما لدينا هو أمانة لدينا لنحيا حياةَ الإيمان العامل بالمحبة نحو عالم متألمٍ وموجوع ويئن تحت وطئة الحروب والنزاعات والأطماع ولا سيما في شرق أوسطنا، وكما يقول السيد المسيح ” كل ما فعلتم بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم”.

لذلك يجب أن يكون هدفنا في الحياة ليس فقط أن نحيا سعداء بل أن نجعل الآخرين سعداء أيضاً ولو بالحد الأدنى. فعالمنا يحتاج إلى قلوب مُحبّة يُهمُّهَا الطفولةُ وزرعُ البسمةِ على الوجوه الحزينة وإعطاء الأمل والرجاء لمن كُسر قلبُه وفَقَدَ رجاءُه في الحياة.