تأمل غبطة الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثامن والعشرون من الزمن العادي

الأحد الثامن والعشرون من الزمن العادي – ب 

مرقس 10، 17-30

مقطع إنجيل اليوم (مرقس 10، 17-30) يقدم لنا شخصًا يسارع في السير نحو يسوع من أجل الحديث معه.

لننظر مباشرة إلى نتيجة هذا اللقاء: “فٱغتَمَّ لِهذا الكَلامِ وٱنصَرَفَ حَزيناً” (مرقس 10، 22).

إذاً، النتيجة هي الحزن.

ولكن لماذا ينتهي اللقاء بين يسوع وهذا الشخص بهذه الطريقة؟ 

عادةً نعتقد أن حزننا مرتبط بشيء نفتقده، ونخدع أنفسنا بأننا سنكون سعداء فقط إذا حصلنا على كل ما نرغب به.

لكن في الواقع، هذا هو بالضبط خداع الحية في رواية الخطيئة الأصلية (تكوين 3).

تخدع الحية حواء وآدم بالاعتقاد بأن السعادة والحياة تأتي من امتلاك كل شيء، وأنه لا يجب أن يكون هناك حدود، ولا يجب أن يُحرموا من أي شيء.

مهارة الحية تكمن في جعل ما نفتقده يبدو أساسيًا ولا يمكن الاستغناء عنه لحياتنا وفرحنا.

وهذا هو إذن نتيجة الخطيئة: عدم القدرة على الاستمتاع بما نملك، والبقاء في انتظار دائم لشيء آخر نفتقده، في دائرة مفرغة لا تنتهي، حيث تمر الحياة في مطاردة مستمرة للإنجازات الجديدة.

لكن بالنسبة ليسوع، الحياة هي عكس ذلك تمامًا.

عندما يسأله الشخص ماذا يفعل ليَرِث الحياة، يجيب يسوع بأن هناك شيئًا واحدًا ينقصه، فقط شيء واحد “واحِدَةٌ تَنقُصُكَ: اِذْهَبْ فَبعْ ما تَملِك وأَعطِهِ لِلفُقَراء، فَيَكونَ لَكَ كَنزٌ في السَّماء، وتَعالَ فَٱتَبعْني” (مرقس 10، 21).

لكن ما ينقصه ليس شيئًا إضافيًا ليمتلكه، بل هو علاقة يجب أن يعيشها، وعليها أن يترك مساحة لها في حياته.

هذا ما يقدمه الرب لهذا الشخص: علاقة يمكنه من خلالها أن يشعر بأنه محبوب ومقدر، ليس بسبب ما يفعله أو يمتلكه، بل بسبب عطية أساسية تأتي قبل أي استجابة من جانبه “فَنَظَرَ إليهُ وأحبَّه…” (مرقس 10، 21).

يقدم له فرصة للتحرر من خداع الحية، الخداع الذي يجعله يعتقد أن الحياة تأتي من الأشياء التي يمتلكها بدلاً من العلاقة مع الرب، الخير الحقيقي “ما من أحدٍ صالح إلا الله وحده” (مرقس 10، 18).

لكن لماذا لم يقبل هذا الشخص عطية الحياة؟ ما الفرق بين هذا الرجل والآخرين الذين نالوا الخلاص عند لقائهم المسيح؟

الفرق أنهم سمحوا لأنفسهم بالتغيير، وبأنهم يقبلون المخاطرة بتغيير شيء في حياتهم، ويقبلون الرهان على يسوع، حتى لو كان ذلك يتطلب التخلي عن أمور أخرى.

في روايات الإنجيل، جميع من يلتقون بالرب يغيرون طريقهم وحياتهم، ويدخلون في نمط حياة جديدة.

لكن هذا الشخص عاد في نفس الطريق الذي جاء منه، ولم يتغير فيه شيء.

وهذا هو الخداع الثاني الذي نسقط فيه جميعًا أحيانًا:

التفكير بأن حياتنا يمكن أن تتحسن وتصبح أكثر جمالًا وكمالًا دون أن يتغير فينا شيء، ودون أن نبذل الجهد لترك ما يقيد قلوبنا.

يسوع وبفضل حبه لنا، تخلى عن شيء، وصار فقيرًا، محدودًا، وترك مساحة في داخله ليحتوي إنسانيتنا.

رد الفعل على هذا الحب لا يمكن أن يكون إلا بالاستجابة على هذا النحو: أن نحب يعني أن نترك أنفسنا للتغيير بفضل الآخر، وأن نسمح للآخر بأن يكون ثروتنا.

قد يبدو هذا الشيء مستحيلًا بالنسبة للعين البشرية. وعلى المستوى الإنساني فهو غير قابل للتحقيق، لكنه كذلك في نظر الله “هذا شَيءٌ يُعجِزُ النَّاسَ وَلا يُعجِزُ الله، فإِنَّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير” (مرقس 10، 27).

هذا هو، في النهاية، المفتاح للدخول في هذه الحياة الجديدة: أن نعرف أن كل هذا ليس في نطاق قوتنا أو قدراتنا، بل هو عطية من الله.

هو الذي فعل هذا لنا أولاً، إذ بذل نفسه حباً بنا، وضحى بنفسه من أجل تغييرنا.

لا يتعلق الأمر بفضل إضافي، وإلا سنظل في منطق الاستحقاق والامتلاك، مثل هذا الشخص الذي غادر حزينًا.

الممكن بالنسبة لنا، هو أن نفسح المجال أمام عطية الله، وأن نراه بأعين المحبة القادر على أن كشف ما ينقصنا حقًا.

+ بييرباتيستا