“في منتصف الليل صارت الصيحة:
العريس آتٍ، اخرجوا للقائه” (متى 25: 6) .
1.إنّ مثل العذارى العشر يشرح مجيء الربّ يسوع الثاني في المجد في نهاية الأزمنة. ولكنّه ينطبق على مجيئه في حياتنا اليوميّة، لأنّه حاضر وحيّ في الكنيسة وفي رسالتها، وينطبق على مجيء الربّ عند موت كلّ واحد منّا. غير أنّ مجيئه مفاجئ في كلّ مرّة، لكنّه آتٍ لا محالة في قتٍ لا نعرفه: “عند منتصف الليل صارت الصيحة: العريس آتٍ، اخرجوا للقائه” (متى 24: 6).
2. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا. وأوجّه تحيّة خاصّة إلى الوفد من أهالي بلدة عين إبل الجنوبيّة الذين تهجّروا ونحيي أيضا الصامدين منهم في ارضهم مع أبناء قرى الشريط الحدودي. كما نحييى جمعيّة Cross Road-درب الصليب التي أُنشأت سنة 1995، وهي مجموعة من المعوّقين وذوي الإحتياجات الخاصّة. إنّهم مصابو الحرب في لبنان والشهداء الأحياء الذين يساعدون بعضهم بعضًا من خلال تأمين احتياجاتهم الطبيّة وأدويتهم وفحوصاتهم العامّة. وقد استطاعوا مساعدة بعضهم البعض في العمل ومواجهة المخدرات والآفات السامّة. فإنّنا نشجّعهم ونبارك عملهم.
كما أوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحومة سلمى فارس أبي ناصيف، زوجة المرحوم سعد بو شبل، ووالدة قدس الأباتي فادي بو شبل، إكسرخوس كولومبيا والبيرو والإكوادور للموارنة الذي حضر خصّيصًا لوداعها مع أشقّائه وشقيقته وسائر أنسبائهم. نصلّي في هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفسها وعزاء أسرتها. كما أوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحومة أمال بديع متى، زوجة المرحوم جان زخيا سعد، ووالدة الأخت مارانا، مؤسّسة جمعيّة ومعهد فيلوكاليا. وقد ودّعناها مع إبنيها وابنتيها وسائر أنسبائها. نصلّي في هذه الإفخارستيا لراحة نفسها وعزاء عائلتها.
3. المطلوب بموجب إنجيل اليوم أن يكون الإنسان في حالة الانتظار بالتزامه الواجب اليومي تجاه الله والذات والعائلة والمجتمع. انتظار مجيء الربّ اليوميّ من أجل الإستنارة بكلامه ومثله، وبإلهامات الروح القدس، وباكتشاف إرادة الله، في كلّ عمل وقول ومبادرة وموقف. انتظار مجيء الربّ عند ساعة موتنا بالعيش في حالِ اتّحاد دائم مع الله، والنهوض من سقطات الخطيئة بواسطة سرّ التوبة والمصالحة. انتظار مجيء الربّ بالمجد في نهاية الأزمنة بالعمل الدائم على نشر إنجيل الحقيقة والخلاص، وبناء مدينة الأرض على قيم الملكوت، وجعل المجتمع البشريّ أكثر إنسانيّة وفي حالة أفضل.
4. مثل العذارى العشر ومجيء العريس يشرح بوضوح ما يريد الربّ يسوع أن يعلّمنا إيّاه.
العريس الآتي هو المسيح المنتظر مجيئه في حياتنا اليوميّة، وفي ساعة موتنا، وفي نهاية الأزمنة.
العذارى العشر يرمزن إلى النفوس، إلى الأشخاص الذين ينتظرون مجيء المسيح المثلّث.
العذارى الحكيمات تمثّلن المؤمنين الملتزمين بالعيش في حالة الإنتظار.
العذارى الجاهلات تمثّلن الأشخاص غير الملتزمين، لأنّهم يعيشون ليومهم، من دون أن يطرحوا أي سؤال حول الحياة والموت حول الشرّ والخير، الحقّ والباطل. يعيشون ليومهم من دون أفق.
المصابيح هي العقل لمعرفة الحقيقة، والإرادة لالتزام الخير، والقلب لمحبّة الله والناس. الزيت الذي يضيئها هو الإيمان للعقل، والرجاء للإرادة، والمحبّة للقلب.
إبطاء العريس هو جهل ساعة مجيء الربّ المثلّث.
النعاس والرقاد هما الخضوع لشريعة الزمن ورتابته، مع إبقاء نظرة واعية ومستعدّة للمستقبل، وفي هذه الحالة مستقبل مجيء الربّ.
منتصف الليل يرمز إلى عمق الظلمة التي تكتنف حياة الإنسان: ظلمة الشكّ والارتباك والمرض والظلم والحزن، عندما يظنّ الإنسان أنّ الله صامت وبعيد وغائب عن حالة الناس وهمومهم.
الصيحة الـمُعلِنة مجيء المسيح، هي صوت الإيمان من الداخل، وثبات الرجاء، وشعلة المحبّة، والثقة بعناية الله. هذه كلّها تخاطبنا من الداخل، فلا تُطفئ المصابيح. والصيحة هي صوت الكنيسة التي تكرز وتعلّم باستمرار، وتوزّع نعمة الأسرار، وتبني حضارة المحبّة.
الذهاب لابتياع الزيت ووصول العريس في هذه الأثناء يعني أن عند محيء الربّ، في حالاته الثلاث، تنتهي وتنتفي إمكانيّة إصلاح الحال، أو التعويض عن الماضي. من هنا تبرز قيمة الوقت الذي يُعطى لنا ونعيشه، المهمّ أن نعطى كلّ لحظة من يومنا قيمتها في العلاقة مع الله والذات والناس، لكي تتّسم بالحقّ والخير والجمال. الأمثولة يعطيها الربّ يسوع في ختام المثل: “اسهروا، إذًا، لأنّكم لا تعلمون اليوم ولا الساعة” (متى 25: 13).
الدخول إلى العرس هو الخلاص الأبديّ في سعادة السماء حيث مائدة عرس الحمل، كما رآها يوحنّا الحبيب: “طوبى للمدعويّن إلى وليمة عرس الحمل” (رؤيا 19: 9).
6. وجّه قداسة البابا فرنسيس بتاريخ 7 تشرين الأوّل الجاري رسالة إلى المسيحيّين في الشرق الأوسط أتلوها عليكم لعزائكم وتشجيعكم.
الإخوة والأخوات الأعزَّاء،
أُفكِّر فيكم وأُصلِّي من أجلكم. قبل سنة اشتعلت شرارة الكراهية، ولم تنطفئ بل تفجَّرت في دوامة من العنف، وسط العجز المخزي في الأسرة الدّوليَّة والدّول الكبرى عن إسكات الأسلحة ووضع حدٍّ لمأساة الحرب. الدِّماء تسيل، والدُّموع أيضًا. الغضب يتزايد، ومعه الرَّغبة في الانتقام، ويبدو أنَّ لا أحد يهتمُّ بما يُفيدُ ويريده النَّاس: الحوار، والسَّلام. لن أتعب من التِّكرار والقول إنَّ الحرب هزيمة، وإنَّ الأسلحة لا تبني المستقبل بل تدمِّره، وإنَّ العنف لن يجلب أبدًا السَّلام.
وأنتم، أيُّها الإخوة والأخوات في المسيح الَّذين تسكنون في الأماكن الَّتي تتكلَّم عليها الكتب المقدَّسة، أنتم قطيع صغير أعزَل، متعطِّش للسَّلام. شكرًا لكم على ما أنتم، شكرًا لأنَّكم تريدون البقاء في أراضيكم، شكرًا لأنَّكم تعرفون أن تصلُّوا وتحبُّوا رغم كلِّ شيء. أنتم بِذار أحبَّها الله، مغروسون في أراضيكم المقدَّسة، تصيرون براعم أمل، لأنَّ نور الإيمان يقودكم إلى الشَّهادة للحبّ بينما يتكلَّمون حولكم على الكراهية، وإلى اللقاء بينما يسود الصِّراع، وإلى الوَحدة بينما يتحوَّل كلّ شيء إلى الخصام.
أتوجَّه إليكم بقلب أبَويّ، يا أبناء الكنائس العريقة، وهي اليوم كنائس ”شهداء“. إليكم، أنتم بِذار السَّلام في شتاء الحرب. إليكم، أنتم الَّذين تؤمنون بيسوع ”الوَديع مُتواضِع القَلب“ (راجع متّى 11، 29) وفيه تصيرون شهودًا لقوَّة السَّلام من غير سلاح.
النَّاس اليوم لا يعرفون أن يجدوا السَّلام، ونحن المسيحيّين يجب ألَّا نتعب من أن نطلُبَه من الله. لذلك، دَعَوتُ الجميع اليوم إلى أن يعيشوا يوم صلاةٍ وصوم. الصَّلاة والصَّوم هما أسلحة الحبّ الَّتي تغيِّر التَّاريخ، الأسلحة الَّتي تَهزِم عدوَّنا الحقيقي الوحيد، روح الشَّرّ الَّذي يغذِّي الحرب، لأنَّه “مُنذُ البَدءِ قَتَّالٌ لِلنَّاس”، و”كَذَّابٌ وأَبو الكَذِب” (يوحنّا 8، 44).
في قلبي شيء أودُّ أن أقوله لكم، أيُّها الإخوة والأخوات، وأيضًا لجميع الرِّجال والنِّساء من جميع الطَّوائف والأديان الَّذين يتألَّمون في الشَّرق الأوسط من جنون الحرب: أنا قريبٌ منكم، أنا معكم.
أنا معكم، أنتم الـمُجبَرين على ترك بيوتكم، وترك المدرسة والعمل، مشرَّدِين تبحثون عن أيّ اتجاهٍ للهرب من القنابل.
أنا معكم، أنتنَّ الأمَّهات اللواتي تذرفن الدُّموع وتنظرن إلى أبنائكنَّ الَّذين ماتوا أو جُرِحوا. ومعكم، أنتم الصِّغار الَّذين تسكنون أراضي الشَّرق النَّبيلة، حيث مكائد الأقوياء تسلِبكم حقَّكم في اللَّعب.
أنا معكم، أنتم العطاش إلى السَّلام والعدل، الَّذين لا تستسلمون لمنطق الشَّرّ، وباسم يسوع “أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم” (متّى 5، 44).
شكرًا لكم، أنتم أبناء السَّلام، لأنَّكم تعزُّون قلب الله الَّذي يجرحه شرّ الإنسان. وشكرًا لجميع الَّذين يساعدونكم، في كلّ العالم، إنَّهم يرون فيكم ويعالجون المسيح الجائع، والمريض، والغريب، والمتروك، والفقير والمحتاج، وأسألكم أن تستمرُّوا في عمل ذلك بسخاء. وشكرًا لكم، أنتم الإخوة الأساقفة والكهنة، الَّذين تحملون تعزية الله في العزلة البشريَّة. أسألكم أن تنظروا إلى الشَّعب المقدَّس الَّذي دُعيتم إلى أن تخدموه. اتركوا الله يَمَسُّ قلوبكم، وتخلّوا عن كلِّ انقسام وطمع من أجل محبَّة مؤمنيكم.
أيُّها الإخوة والأخوات في يسوع، أبارككم وأعانقكم بمودَّة، من كلِّ قلبي. لِتَحرُسْكُم سيِّدتنا مريم العذراء، سيِّدة السَّلام. ولْيَحْمِكم القدِّيس يوسف، شفيع الكنيسة.
مع تحيَّتي الأخويَّة،
فرنسيس