ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح الأحد القداس الإلهي في ساحة القديس بطرس أعلن خلاله قداسة الطوباويين إيمانويل رويز لوبيز ورفاقه السبعة، وفرنسيس وعبد المعطي وروفائيل مسابكي، جوزيبي ألمانو وماري ليوني بارادي وإيلينا غويرا، وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها سأل يسوع يعقوب ويوحنا: “ماذا تُريدانِ أَن أَصنَعَ لَكُما؟”. وبعدها سألهما فورًا: “أَتَستَطيعانِ أَن تَشرَبا الكَأسَ الَّتي سَأَشرَبُها، أَو تَقبَلانِ المَعمودِيَّةَ الَّتي سَأَقبَلُها؟”. إن يسوع يطرح الأسئلة، وهكذا يساعدنا على التمييز، لأن الأسئلة تجعلنا نكتشف ما في داخلنا، وتنير ما نحمله في قلوبنا. لنسمح لكلمة الرب أن تسائلنا. لنتخيّل أنه يسألنا، يسأل كل واحد منا: “ماذا تريدني أن أصنع لك؟”؛ “هل تستطيع أن تشرب الكَأسَ الَّتي سَأَشرَبُها؟”.
تابع البابا فرنسيس يقول من خلال هذه الأسئلة، يبرز يسوع علاقة التلميذين به وانتظاراتهما تجاهه، مع أنوار وظلال كل علاقة. في الواقع، إن يعقوب ويوحنا مرتبطان بيسوع ولكن لديهما مطالب. فهما يعبّران عن رغبتهما في أن يكونا قريبين منه، ولكن فقط لكي يحصلا على مكان مشرِّف، ولكي يلعبا دوراً مهماً، ولكي يَجلِسَ أَحَدُهما عَن يَمينِه، وَالآخَرُ عَن شِمالِه في مَجدِه. من الواضح أنهما يفكران في يسوع كمسيح منتصر ومجيد، وينتظران منه أن يشاركهما مجده. هما يريان في يسوع المسيح، ولكنهما يتخيلانه وفق منطق القوة.
أضاف الأب الأقدس يقول لكن يسوع لا يتوقف عند كلمات التلميذين، بل يذهب في العمق ويصغي إليهما ويقرأ في قلبيهما. ويحاول في الحوار، من خلال سؤالين، أن يبرز الرغبة الكامنة وراء تلك الطلبات. يسأل أولاً: “ماذا تُريدانِ أَن أَصنَعَ لَكُما؟”؛ وهذا السؤال يكشف عن أفكار قلبيهما، ويسلّط الضوء على الانتظارات الخفية وأحلام المجد التي يعززها التلميذان في الخفاء. كما لو كان يسوع يسأل: “من تريدني أن أكون بالنسبة لك؟”، وهكذا يكشف ما يرغبان فيه حقًا: مسيح قوي ومنتصر يعطيهما مكانًا مشرِّفًا. ثم، بالسؤال الثاني، يدحض يسوع صورة المسيح هذه، وبهذه الطريقة يساعدهما على تغيير نظرتهما، أي على الارتداد: “أَتَستَطيعانِ أَن تَشرَبا الكَأسَ الَّتي سَأَشرَبُها، أَو تَقبَلانِ المَعمودِيَّةَ الَّتي سَأَقبَلُها؟”، وبهذه الطريقة يكشف لهما أنه ليس المسيح الذي يظنان أنّه هو، بل هو إله المحبة الذي ينحني لكي يبلغ من هم في الأسفل، والذي يجعل نفسه ضعيفاً لكي يرفع الضعفاء، والذي يعمل من أجل السلام وليس من أجل الحرب، والذي جاء ليَخدُم وليس ليُخدَم. إن الكأس التي سيشربها الرب هي تقدمة حياته، التي بذلها محبّة بنا، حتى الموت والموت على الصليب. وعندئذ، سيكون عن يمينه وعن شماله لصان عُلِّقا مثله على الصليب، ولا يجلسان على كراسي السلطة؛ لصان سُمِّرا مع المسيح في الألم ولا يجلسان في المجد. إنَّ الملك المصلوب، البار المحكوم عليه يصبح عبدًا للجميع: هذا هو حقًا ابن الله! ينتصر من لا يتسلّط، بل الذي يخدم بدافع المحبّة. وهذا ما ذكّرتنا به الرسالة إلى العبرانيين أيضًا: “فليس لنا عظيم كهنة لا يستطيع أن يرثي لضعفنا: لقد امتحن في كل شيء مثلنا”.
تابع الحبر الأعظم يقول عند هذه النقطة، يستطيع يسوع أن يساعد التلاميذ على الارتداد، وعلى تغيير عقليّتهم: “تَعلَمونَ أَنَّ الَّذينَ يُعَدّونَ رُؤَساءَ الأُمَمِ يَسودونَها، وَأَنَّ أَكابِرَها يَتَسَلَّطونَ عَلَيها”. ولكن لا يجب أن يكون الأمر على هذا النحو، بالنسبة للذين يتبعون إلهًا صار خادمًا لكي يبلغ الجميع بمحبته. على الذين يتبعون المسيح، إذا أرادوا أن يكونوا عظماء، أن يخدموا ويتعلموا منه. أيها الإخوة والأخوات، إنَّ يسوع يكشف أفكار ورغبات وإسقاطات قلوبنا، ويكشف أحيانًا عن توقعاتنا للمجد والهيمنة والسلطة. هو يساعدنا لكي لا نفكر بعد الآن بحسب معايير العالم، وإنما بحسب أسلوب الله الذي يصبح أخيرًا لكي يُنهِض الأخيرين ويجعلهم أوَّلين. وأسئلة يسوع هذه، مع تعليمه حول الخدمة، غالبًا ما تكون غير مفهومة بالنسبة لنا كما كانت بالنسبة للتلاميذ. لكن باتباعه والسير على خطاه وقبول عطيّة محبته التي تحول طريقة تفكيرنا، يمكننا نحن أيضًا أن نتعلم أسلوب الله: الخدمة.
أضاف الأب الأقدس يقول هذا ما يجب أن نتوق إليه: لا إلى السلطة بل إلى الخدمة. الخدمة هي أسلوب الحياة المسيحية. والأمر لا يتعلّق بقائمة من الأمور التي ينبغي علينا القيام بها، وكأننا عندما ننجزها يمكننا أن نعتبر أن دورنا قد انتهى؛ إنَّ الذي يخدم بمحبّة لا يقول: “الآن سيأتي دور شخص آخر”. هذا هو تفكير الموظفين وليس تفكير الشهود. إنَّ الخدمة تولد من المحبة، والمحبة لا تعرف الحدود، ولا تقوم بحسابات، بل تبذل نفسها وتعطيها. هي لا تنتج فقط لتأتي بنتائج، كما أنها ليست خدمة عرضية، بل هي شيء يولد من القلب، قلب تجدد بالمحبة وفي المحبة. عندما نتعلّم أن نخدم، تصبح كل بادرة اهتمام وعناية، وكل تعبير عن الحنان، وكل عمل رحمة انعكاسًا لمحبة الله. وهكذا نواصل عمل يسوع في العالم.
وخلص البابا فرنسيس إلى القول في ضوء ذلك يمكننا أن نتذكر تلاميذ الإنجيل الذين يتمُّ اليوم إعلان قداستهم. طوال تاريخ البشرية المضطرب كانوا خدّامًا أمناء، رجال ونساء خدموا في الاستشهاد والفرح، مثل الأخ مانويل رويز لوبيز ورفاقه. إنهم كهنة ومكرسات يتّقدون بشغف إرسالي مثل الأب جوزيبي ألمانو والأخت ماري ليوني باراديس والأخت إيلينا غويرا. هؤلاء القديسون الجدد قد عاشوا أسلوب يسوع: الخدمة. إن الإيمان والعمل الرسولي اللذين ساروا بهما قدمًا لم يغذيا فيهم الرغبات الدنيوية والرغبة الشديدة في السلطة بل على العكس، فقد جعلاهم خدامًا للإخوة ومبدعين في عمل الخير، ثابتين في الصعوبات، وأسخياء حتى النهاية. لنطلب بثقة شفاعتهم لكي نتمكن نحن أيضًا من أن نتبع المسيح ونتبعه في الخدمة ونصبح شهود رجاء للعالم