المطران دوما يحدثنا عن الأوضاع المأساوية الراهنة في هاييتي

في السابع عشر من الجاري صوت مجلس الأمن الدولي، بالإجماع، على فرض حظر عالمي على بيع الأسلحة والتجهيزات العسكرية لهاييتي، وذلك من أجل احتواء تدفق السلاح الذي يصل إلى أيادي عصابات إجرامية تسيطر على أجزاء كبيرة من الجزيرة وحلّت محل المؤسسات الغائبة والفاسدة وهي تحقق المكاسب بسبب الفقر السائد في البلاد. وفي مطلع هذا الشهر ارتكبت بعض العصابات مجزرة ذهب ضحيتها مائة وخمسة عشر شخصا في مدينة بور سنودي، وقد جاء ذلك بعد أن بدأت قوة متعددة الجنسيات، برئاسة كينيا، تنتشر في البلاد من أجل ضبط الأمن، مع أن هذه الجهود لم تؤد إلى نتائج تُذكر لغاية اليوم.ولم تغب هايتتي عن ذهن البابا فرنسيس الذي أطلق نداء في أعقاب تلاوة صلاة التبشير الملائكي في الثالث عشر من الجاري، داعيا الجماعة الدولية إلى عدم نسيان هذا البلد، ولفت إلى أنه يتابع عن كثب الأوضاع المأساوية الراهنة هناك، حيث يستمر العنف الممارس بحق السكان المرغمين على ترك بيوتهم بحثا عن مكان آمن داخل هاييتي وخارجها. ويقول المطران دوما إن كلمات البابا فرنسيس هذه تركت أثراً كبيراً في نفسه، مع العلم أن سيادته لم يسلم من العنف إذ أصيب بجروح بالغة نتيجة انفجار وقع في شباط فبراير الماضي، وقد توجه إلى الولايات المتحدة لينال العلاج وما يزال موجوداً هناك لغاية اليوم.ففي مكالمة هاتفية مع موقعنا الإلكتروني قال سيادته إنه تأثر عندما سمع كلمات البابا بشأن هاييتي مع أن هذا الأمر لم يفاجئه، لأن الحبر الأعظم طالما تضامن مع هاييتي وأطلق نداءات حازمة في هذا السياق. وأضاف أن فرنسيس أظهر تضامنه هذا من خلال الصلاة والشركة والمساعدة الملموسة أيضا. ولفت إلى أن البابا دعا الجماعة الدولية إلى عدم نسيان هاييتي ويتعين على قادة العالم أن يتنبهوا لهذا الأمر، خصوصا وأنهم مسؤولون عما يجري في البلاد. وذكّر بأن هاييتي تفتقر إلى برلمان وإلى نواب منتخبين منذ فترة طويلة وقد انجرت إلى وضع من العنف والفوضى، ما وضع السكان في حالة من اليأس، وهناك العديد من المواطنين المهجرين. واعتبر سيادته أن المشكلة الحقيقية التي تعاني منها البلاد اليوم هي انعدام الأمن، ولن يتحقق أي شيء إيجابي إن لم تُحل هذه المشكلة في المقام الأول.في سياق حديثه عن القوة المتعددة الجنسيات وما إذا كانت قادرة على ضبط الأمن في هاييتي قال المطران دوما إن ثمة حاجة إلى هذه القوة الدولية التي ينبغي أن تتمتع بدعم المواطنين، ولا بد أن تساهم في استعادة الحياة الاجتماعية، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه منذ وصول القوات الدولية في شهر حزيران يونيو الماضي إلى هاييتي لم يتغيّر أي شيء على الصعيد الأمني، وما يزال الأمن في البلاد هشاً للغاية، إزاء استمرار عمليات القتل والخطف والاغتصاب التي يتعرض لها السكان. هذا ناهيك عن عدم توفر الخدمات الصحية إذ أقدمت العصابات على إقفال المستشفيات.وتساءل سيادته: كم من الأشخاص الأبرياء عليهم أن يموتوا بهذه الطريقة، مشدداً على ضرورة التصدي لنشاطات تلك العصابات، ورأى أنه لا بد من إطلاق حملة تساعد أفرادها على إلقاء السلاح، وبداية عملية من المصالحة الوطنية على جميع الأصعدة والمستويات. واعتبر بهذا الصدد أن البلاد هي بأمس الحاجة اليوم إلى المصالحة الوطنية الشاملة، مصالحة بين الأخوة في الداخل، كما بين السكان المقيمين ومن هم في الشتات. وينبغي أيضا أن يُساعد الفقراء، الذين تُركوا ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم.رداً على سؤال بشأن الدور الذي تلعبه الكنيسة على هذا الصعيد قال المطران دوما إن الكنيسة ترافق الشعب وتشاطره معاناته، وهي تدعو إلى تحقيق المصالحة في هاييتي، لكن كي تتحقق هذه المصالحة لا بد أن يأخذها الأشخاص على محمل الجد، ما يعني أن ثمة حاجة إلى ربط المصالحة بالعدالة، تماما على غرار ما حصل في بلدان أخرى شأن جمهورية أفريقيا الجنوبية ورواندا، حيث تمت مساعدة الأشخاص المذنبين على الإقرار بأفعالهم السيئة، وفي الوقت نفسه على قبول الانخراط في عملية المصالحة والغفران.وأضاف سيادته في هذا السياق أن الكنيسة تستمر في دعم شعب هاييتي، مشيرا إلى أن الرعايا والجمعيات الرهبانية قدمت المأوى للمهجرين، موضحا أن حوالي مائة ألف طفل لا يستطيعون العودة إلى مدارسهم التي أُحرقت أو دُمرت. وختم حديثه لموقعنا الإلكتروني بالقول إن الكنيسة لا تستطيع الوقوف موقف المتفرج منتظرة أن يحقق الآخرون ما يطمح إليه السكان، بل عليها أن تعمل بروح من التضامن، وبالتعاون مع الجماعة الدولية، كي تساعد المواطنين على السير إلى الأمام. ولا بد من تعزيز التضامن الداخلي الذي يساهم، بالإضافة إلى المساعدات الدولية، في خلق ذهنية جديدة في هاييتي.