شارك قداسة البابا فرنسيس بعد ظهر الجمعة ٢٥ تشرين الأول أكتوبر في بازيليك القديس يوحنا اللاتيران في جمعية أبرشية روما والتي تَختتم مسيرة بدأت في شهر شباط فبراير المنصرم لمناسبة الذكرى الخمسين للمؤتمر الذي عُقد من ١٢ حتى ١٥ شباط فبراير ١٩٧٤ بعنوان “مسؤولية المسيحيين أمام التطلع إلى المحبة والعدالة في روما” والذي تمحور حول مشاكل المدينة. وفي بداية كلمته وجه الأب الأقدس الشكر على وجوده في هذا اللقاء الهام بالنسبة لأبرشية روما كما ووجه التحية إلى ممثلي السلطات وجميع مَن يمثلون الجماعات الرعوية والهيئات التي يخدمون فيها، ثم شكر جميع مَن عملوا للتذكير بالمؤتمر الذي عُقد ٥٠ سنة مضت والذي وصفه الأب الأقدس بحدث ترك أثره على المسيرة الكنسية والاجتماعية لروما. وأضاف أن كنيسة روما قد أصغت في تلك المناسبة إلى المعاناة الكثيرة التي تطبع المدينة داعية الجميع إلى التأمل حول مسؤولية المسيحيين فيما يتعلق بمساوئ المدينة وذلك من خلال الحوار وتحفيز الضمير المدني والسياسي والمسيحي لكثيرين.
وواصل البابا فرنسيس أنه قد تابع العمل الذي تم القيام به خلال هذه السنة وتَعرَّف على الشهادات والتقارير والتي تكشف مع الأسف مرة أخرى عن واقع حزين، قال قداسته. فاليوم أيضا، وحتى اليوم، هناك الكثير من عدم المساواة والفقر الذي يعاني منه سكان المدينة. وتابع البابا فرنسيس أن هذا يؤلمنا من جهة إلا أنه يجعلنا ندرك من جهة أخرى كم هو طويل بعد الطريق الذي يجب قطعه. وتحدث الأب الأقدس عن معرفة وجود أشخاص يعيشون في الطرقات وشباب لا يمكنهم العثور على عمل أو مسكن، مرضى ومسنين لا يمكنهم الحصول على رعاية، وأشخاص يعانون من إدمان المخدرات أو من أشكال أخرى حديثة من الإدمان، وآخرين يعيشون في أوضاع هجر ويأس. وأضاف البابا أن هذا الواقع لا يجوز أن يكون مجرد بيانات إحصائية حيث نتحدث عن وجوه وقصص أخوة وأخوات تمسنا وتسائلنا حول ما يمكننا القيام به، وإن كنا نرى في قصص جراح هؤلاء الأشخاص وجه يسوع المتألم، وهل نلمس الحاجة إلى نأخذ الأمر على عاتقنا، وماذا يمكننا أن نفعل معا.
وانطلاقا من هذه الأسئلة ومن قراءة اليوم أراد البابا فرنسيس التأمل مع الحضور حول ثلاثة مواضيع وهي حمل البشرى السارة إلى الفقراء، إصلاح الشق، وبذر الرجاء. وفي حديثه عن النقطة الأولى قال قداسة البابا إن الفقراء هم جسد المسيح والذي يدعونا إلى أن نحمل إليهم البشرى السارة. وتابع أن النبأ السار الذي علينا إعلانه للفقراء هو في المقام الأول إعلامهم بأن الرب يحبهم وأنهم كرام في عينيّ الله بكرامتهم التي غالبا ما يدهسها العالم والتي هي مقدسة عند الله. وكرر الأب الأقدس أن الفقير لا يمكن أن يكون رقما أو، وما هو أسوأ، مشكلة، فهو أخونا ومن جسدنا. هذا وأعرب البابا عن رضاه لوجود أشخاص كثر في هذه الأبرشية يتفانون يوميا من أجل الفقراء، ما بين متطوعين وعاملي كاريتاس وغيرها من هيئات وجمعيات، هذا إلى جانب الكثير من المواطنين الذين يفعلون الخير في صمت. وتابع البابا فرنسيس مشددا على أن الكنيسة مدعوة إلى اتباع أسلوب يضع في المركز المعانين من أشكال الفقر المختلفة، وأكد ضرورة أن نتواجد مع الفقراء لنكون لهم علامة لحنان الله. وواصل البابا متحدثا عن قرب الله، شفقته وحنانه، وأضاف أن المسيحي الذي لا يكون قريبا ولا يتحلى بالشفقة والحنان ليس مسيحيا.
ثم انتقل الأب الأقدس إلى النقطة الثانية التي أراد التأمل حولها أي إصلاح الشق، فقال إن هناك بالفعل شقا في النسيج الاجتماعي وذلك بسبب اللامساواة. وتساءل البابا كيف يمكننا القبول بأن يتم إلقاء قناطير من الغذاء بينما هناك عائلات لا تجد ما تأكل؟ كيف يمكننا أن نقبل بوجود آلاف من الأماكن الخالية بينما يعيش الآلاف من الأشخاص على الأرصفة، أو بأن يتمكن بعض الأغنياء من الحصول على كل ما يحتاجون من رعاية بينما لا يتمكن الفقير من تلقي العلاج بشكل كريم. المدينة التي تقف بلا حراك أمام مثل هذه التناقضات هي مدينة ممزقة مثل كوكبنا بكامله، ويجب بالتالي مداواة هذا الصدع وذلك بالعمل على تأسيس مواثيق تضع في المركز الشخص البشري وكرامته. ويستدعي هذا حسبما تابع البابا فرنسيس العمل معا وتحقيق تناغم في الاختلافات وتقاسُم ما نلنا من عطايا وما تلقينا من رسالات، ويعني هذا أيضا النمو في الحوار، الحوار مع المؤسسات والجمعيات والمدارس والعائلات، الحوار بين الأجيال، الحوار مع الجميع، قال الأب الأقدس، حتى مع من له آراء مختلفة. إعادة نسج الشق تتطلب صبر الحوار بدون أحكان مسبقة، وأن نتناقش بشغف حول الأفكار والمشاريع والاقتراحات المفيدة لتجديد نسيج المدينة، قال البابا. وواصل قداسته مشيرا إلى أن بإمكاننا معا التغلب على ما وصفه بفيروس اللامبالاة. كما ودعا الأب الأقدس إلى تثمين أكبر للفكر الاجتماعي للكنيسة وذلك على صعيد العمل الرعوي والتعليم المسيحي، حيث من المهم تنشئة الضمائر على العقيدة الاجتماعية للكنيسة كي يترجَم الإنجيل في أوضاع زمننا المختلفة ويجعلنا شهودا للعدالة والسلام والأخوّة وناسجين لشبكة جديدة اجتماعية تضامنية في المدينة.
وفي حديثه عن النقطة الثالثة أي بذر الرجاء قال الأب الأقدس إنه الالتزام الذي نحن مدعوون إليه لمناسبة اليوبيل القريب أيضا والذي أردتُ أن يطبعه الرجاء المسيحي، قال البابا. ثم ذكَّر بما كتب في مرسوم الدعوة إلى اليوبيل والذي اختار عنوانه “الرجاء لا يُخيِّب”، حيث دعا قداسته الجميع إلى التفكير في علامات رجاء لصالح السلام، الحياة البشرية، المرضى، المساجين، المهاجرين، المسنين والفقراء. وواصل البابا قائلا للحضور أنه يوجه نداءً قويا من أجل القيام بأفعال رجاء ملموسة، وأضاف أن ما تم التعريف به هذا المساء أيضا من مشاكل اجتماعية قد يقود إلى الإحباط والاعتقاد بأنه ليس بالإمكان عمل شيء، إلى أن الرجاء المسيحي هو فاعل دائما يحركه اليقين بأن الرب هو مَن يقود التاريخ وأن من خلاله يمكننا بناء ما يبدو مستحيلا للبشر. وأراد قداسة البابا هنا الإشارة إلى أن في هذه المدينة هناك الكثير من الرجال والنساء الذين وأمام المشاكل لم يبقوا متفرجين أو اكتفوا بقول وكتابة أشياء كثيرة. وذكَّر بشكل خاص ببعض الكهنة مثل الأب لويجي دي لييغرو وأيضا بعلمانيين كثر عملوا استجابة للحاجة إلى زرع بذور خير وتفعيل مسارات راجين أن يكون هناك مَن يهتم بهذه البذور الصغيرة لتصبح أشجارا كبيرة. علينا اليوم أن نطلق مسارات رجاء جديدة، قال البابا فرنسيس، وأن نحلم بالرجاء وأن نبينه بالتزامنا المسؤول والتضامني.
وفي ختام كلمته خلال مشاركته في جمعية أبرشية روما أكد البابا فرنسيس أن بإمكاننا نحن أيضا أن نمر بعالم الفقر حاملين رجاء الإنجيل. ثم وجه قداسته الشكر إلى الجميع على ما يقومون به في الكنيسة وفي مدينة روما، كما وأكد صلاته من أجلهم كي يكونوا شهودا شجعانا للإنجيل قادرين على أن يحملوا إلى الفقراء البشرى السارة، أن يصلحوا الشقوق، وأن يبذروا الرجاء.