انتهت جلسات السينودالية وقد عشنا زمناً كنسيّاً قويّاً بكل معنى الكلمة، من خلال الصلاة والتأمل ومداخلات المشاركين الذين بلغ عددهم 376 من جميع انحاء العالم. وقد اُعِدَّ النص الختامي الذي سنُصوِّت عليه يوم السبت 26 أكتوبر 2024. ما ميَّز هذا السينودس هو الاهتمام الملفت للنظر بالكنائس الشرقية.
قَدَّمتُ النقاط أدناه لقداسة البابا فرنسيس، وأصحاب الغبطة البطاركة الشرقيين الكاثوليك، وأمانة سرّ السينودس ودائرة الكنائس الشرقية. وها اني انشرها لإطلاع المؤمنين عليها:
يمثل سينودس“السينودالية” فرصة استثنائية للتفكير والتخطيط والعمل على كيفية مضي الكنيسة الكاثوليكية قدماً، ومواجهة الكنائس الشرقية تحديّاتها الخاصة: مثل الهجرة، والبقاء على الأرض واحترام حقوقهم، واستثمار الموارد، وتأوين الممارسات والطقوس، وتجديد العمل الرعوي. إن تعزيز التعاون بين الجماعات الكنسية المختلفة على جميع المستويات بمشاركة فعّالة للمؤمنين العلمانيين من كلا الجنسين، هو من الأهداف الرئيسية الكفيلة بإعطاء طاقة جديدة لحياة الكنائس الشرقية على ضوء سينودس السينودالية، مع ضمان استمرارية تراثها الروحي الثمين في الوقت نفسه. المطلوب من الكنائس الشرقية ان تحمل الرجاء للناس الممتَحنين خصوصاً في منطقتنا.
- التنشئة المستدامة للاكليروس والمؤمنين من كلا الجنسين
التدريب المستدام ضروري للتكيّف مع احتياجات الوقت الحاضر. يتحتم على الكنيسة إعداد برامج حديثة لتدريب الاكليروس ليس فقط في مجال اللاهوت، ولكن أيضاً في مجال العمل الرعوي وعلم الاجتماع وعلم النفس والإدارة الخ، حتى يتمكنوا من الاستجابة بشكل أفضل لاحتياجات المجتمعات، سواء في “البقعة القانونية” لسلطة البطريرك أو في بلدان الانتشار. كما يجب أن يشارك المؤمنون العلمانيون في عمليات التدريب التي تجعلهم فاعلين في الحياة الكنسية بدلاً من أن يكونوا اتكاليين، وتساعدهم على التفاعل مع الثقافات المحلية في السياقات التي تكون فيها الكنائس الشرقية متواجدة.
- الشفافية الاقتصادية ومكافحة الفساد
الشفافية في إدارة الأموال الكنسية أمر أساسي للمحافظة على مصداقية المؤسسات. لذا يتوجب إنشاء أنظمة رقابة مالية أكثر فعالية ومعايير للمراقبة، لتجنُّب إساءة الاستخدام، وضمان استثمار الموارد وفقاً للمبادئ المسيحية. يجب أن يكون التدريب الخاص وأدوات الإدارة المتقدمة جزءًا من برنامج تدريب رجال الدين والعلمانيين المسؤولين عن إدارة الأموال الكنسية. اقترح أن يكون لعلمانيين معروفين بمحبتهم للكنيسىة ونزاهتهم وشفافيتهم دور في إدارة الشؤون المالية واعتماد أسلوب جديد، باشراف الاُسقف المحلي ومراقبته وإعتماد التدقيق الحسابي الدوري.
- العلاقات بين الكنائس الشرقية في البلدان ذات الأغلبية المسلمة
في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، يجب على الكنائس الشرقية أن تُقدِّم شهادة موحَّدة، وأن تلتزم بالحوار. إن المنافسات الداخلية بينها تقوِّض مهمة السلام والتماسك، في حين أن التعاون الوثيق يمكنه أن يعزّز وجوداً أكثر وضوحاً ومصداقية. أقترح إنشاء طاولات حوار دائمة، على مستوى الكنائس والأديان، لتعزيز التفاهم المتبادل ومعالجة القضايا المشتركة، مثل الحرية الدينية والسلام والعيش المشترك.
- دور الكنائس الشرقية في الشتات
يجب دعم المجتمعات الشرقية في الشتات من أجل المحافظة على تقاليدها الروحية والثقافية. والسعي لتعزيز الروابط بين هذه الكنائس والكنيسة الأم، من خلال التنسيق الرعوي الذي يدعم نقل التقاليد الليتورجية واللغوية، وإيلاء اهتمام خاص بالأجيال الجديدة، التي يجب تدريبها على فهم وتعزيز ثراء تراثها الثقافي والديني. ويمكن ان يكون هؤلاء الشرقيون رُسلاً لمجتمعاتهم الغربية التي بدأت تفقد الإيمان والثوابت الأخلاقية، وضروري أن يفكروا بالتكيّف الجيد للرعاية الرعوية للأجيال الجديدة وتجنُّب أي إنغلاق أو تعصب (غيتو).
- تأثير الهجرة على الكنائس الشرقية
الهجرة تدمّر المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط. من الضروري تكثيف الجهود لدعم المسيحيين في بلدانهم الأصلية، وتقديم مساعدة ملموسة لهم. على الكنيسة أن تلتزم على المستوى الدولي برفع مستوى الوعي العام الإنساني والروحي لهذه الجماعات. إن المحافظة على الوجود المسيحي في الشرق الأوسط يجب أن يكون أولوية مشتركة بين الكنائس المختلفة، لان هذه الكنائس تمثل جذور المسيحية وأنّ الصلاة تظل في قلب المسيحيين الصامدين في هذه المنطقة.
- الحرية الدينية وحقوق الإنسان
يجب أن يكون الدفاع عن الحريّة الدينيّة في قلب اهتمامات الكنائس الشرقية، خاصة في السياقات التي يتعرض لها المسيحيون. على الكنائس أن تعزز تعاونَها مع السلطات المدنية والمنظمات الدولية، والمرجعيات الدينية المسلمة برؤية واضحة، لتعزيز حماية المسيحيين وحقوقهم وحرية العبادة. كما ينبغي أن يتكامل هذا الالتزام مع رؤية رعوية واضحة تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وحماية كرامة الإنسان وحريته.
- الحفاظ على التراث الليتورجي واللغوي
إن التراث الليتورجي واللغوي للكنائس الشرقية هو كنز ثمين يجب المحافظة عليه. اللغات الطقسية التقليدية، هي وسائل أساسية للروحانية الشرقية. لذا يجب تدريب الأجيال الجديدة على معرفة واستخدام هذه اللغات، حتى يتمكنوا من الحفاظ على التقليد الليتورجي وتأوينه في اللغات الأخرى كالعربية في الشرق الأوسط والأجنبية في الشتات. وفي الوقت نفسه، من الضروري الاستثمار في مشاريع ترميم وحفظ النصوص المقدسة والمخطوطات القديمة، بما يضمن استمرار نقل وتعزيز التراث الثقافي للكنائس الشرقية1.
- التراث الفني والمعماري للكنائس الشرقية
التراث الفني للكنائس الشرقية، والذي يشمل ريازة الكنائس والأديرة والأيقونات واللوحات والمخطوطات، يمثل تراثاً ثقافياً وروحياً لا يقدَّر بثمن. هذا التراث، الذي يشهد على قرون من الإيمان والتقاليد والثقافة، مهدَّد اليوم بسبب الحروب وعمليات النهب. من المُلِحّ اذاً وضع استراتيجية لحماية هذا التراث وترميمه، وتعزيز المحافظة على هذه الكنوز الفنية المقدسة، وحماية أماكن العبادة. اقترح إنشاء صندوق وطني أو دولي للمحفاظة على التراث الفني والمعماري للكنائس الشرقية، بمشاركة المؤسسات الثقافية والحكومات الوطنية والدولية. علاوة على ذلك، لا ينبغي اعتبار التراث الفني تراثاً ثقافياً فحسب، بل يجب أيضاً اعتباره أداة للحوار، وله القدرة على إيصال جمال الإيمان إلى الأجيال الجديدة وإلى العالم أجمع.
- الحوار المسكوني والعلاقات مع الكنائس الأخرى
إن الحوار المسكوني ضروري للكنائس الشرقية، التي لها تاريخ طويل من العلاقات مع الطوائف المسيحية الأخرى. يتعين تكثيف الحوار اللاهوتي والرعوي مع الكنائس الأرثوذكسية الرسولية والطوائف المسيحية الأخرى، من أجل تعزيز الشهادة المشتركة. اقترح إنشاء منصَّات دائمة للحوار المسكوني، تشجع التعاون في المواضيع ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز الوحدة بين المسيحيين.
10. الحوار مع الديانة الاسلامية والديانة اليهودية وليس الكيان الصهيوني
هناك موضوع آخر ذو أهمية كبيرة وهو الحوار مع الديانة الإسلامية والمسلمون يمثلون الغالبية العظمى في المنطقة وكذلك مع الديانة اليهودية (وليس الكيان الصهيوني)، التي تشترك معها الكنائس الشرقية بجذور كتابية “العهد القديم” ولاهوتية وروحية. يمكن لهذا الحوار الصادق بين الديانات الثلاث: المسيحية والإسلام واليهودية أن يفكك كل اشكال التطرف الأيديولوجي والعنف، ويعزز التفاهم المتبادل واحترام تقاليد الطرف الآخر والتعامل معه كأخ ومواطن، والبحث المشترك عن العدالة والمساواة والسلام والاستقرار في المنطقة.