غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثّالث يترأَّس عيد القديس يعقوب أخو الرب أول أساقفة أورشليم

إحتفلت البطريركية الأورشليمية يوم الثلاثاء الموافق 5 تشرين ثاني 2024 (23 تشرين أول حسب التقويم الشرقي) بعيد القديس يعقوب أخو الرب, وهو عيد الكرسي الأورشليمي كون القديس يعقوب أخو الرب كان أول أسقف على أورشليم.

تقيم كنيسة أورشليم تذكار هذا القديس العظيم الذي حسب اكثر التفاسير في التراث الكنسي وهو الأكثر شيوعاً أنه إبن يوسف البار خطيب مريم من زواج كان له قبل مريم، وهذا معناه أن يوسف كان أرملاً عندما اقترن بمريم العذراء, لذلك دعي بأخو الرب. شهد له أيضاً القديس بولس الرسول في رسالته الى غلاطية الإصحاح الأول عدد 19 “وَلكِنَّنِي لَمْ أَرَ غَيْرَهُ مِنَ الرُّسُلِ إِلاَّ يَعْقُوبَ أَخَا الرَّبِّ”. دُعي أيضًا “البار” بسبب نزاهته وعدالته الشديدة.

  عينه الرب يسوع المسيح أسقفاً على أورشليم, وترأس المجمع الرسولي الأورشليمي الأول عام 49 بعد الميلاد. في عهده فُتحت أبواب الكنيسة للأمم, وترك إرثاً كنسياً في العهد الجديد وهو رسالته التي هي أولى الرسائل الرعائية السبع وهي عبارة عن مجموعة حكم وإرشادات موجهة إلى أسباط إسرائيل الاثني عشر في الشتات وتتناول السلوك المسيحي والحياة الرعائية. إستشهد عام 62 ميلادي حين كان يبشرالناس بالمسيح فحقد عليه اليهود وألقوه من علوٍ فسقط أرضًا وأصيب ولكنّه لم يمت، فعاجلوه ببضربةٍ عصا على رأسه فقضت عليه وهو في الثالثة والستين من العمر.

إكراماً للقديس يعقوب أخو الرب أقيمت خدمة صلاة الغروب عشية العيد في الكاتدرائية المُكرسة على إسمه الواقعة بين كنيسة القيامة والبطريركية بحضور غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث. صباح العيد ترأس صاحب الغبطة خدمة القداس الإلهي الإحتفالي يشاركه أصحاب السيادة المطارنة كيريوس كيرياكوس متروبوليت الناصرة , كيريوس أريسترخوس رئيس اساقفة قسطنطيني, كيريوس ثيوذوسيوس رئيس أساقفة سبسطية, كيريوس أرستوفولوس رئيس أساقفة مادبا, آباء أخوية القبر المقدس من آباء متوحدين وشمامسة, كهنة كاتدرائية يعقوب أخو الرب, ورئيس البعثة الروحية الروسية قدس الأرشمندريت فاسيانوس. قام بالترتيل باللغة اليونانية الشماس المتوحد الأب سميون والسيد إفستاثيوس تسومانيس, وجوقة الكاتدرائية بقيادة السيد ريمون قمر باللغة العربية, بحضور السيدة قسطنطينة جيفتو ممثلة عن القنصلية اليونانية, وعدد كبير من المصلين من أبناء رعية القديس يعقوب أخو الرب.

بعد نهاية القداس الإلهي صعد صاحب الغبطة برفقة رؤساء الكهنة والكهنة المشاركين معه عبر درجات كاتدرائية القديس يعقوب حيث التقوا بباقي آباء أخوية القبر المقدس في ساحة كنيسة القديسين قسطنطين وهيلانة مرتلين التراتيل الكنسية بفرح وإبتهاج  ثم توجهوا الى قاعة البطريركية. عند مدخل الدير المركزي قدمت الراهبة سيرافيما رئيسة دير العذراء صدنايا بتوزيع قطع الخبز للبركة تكريماً لعيد عرش البطريركية الأورشليمية.

بعد القداس توجه صاحب الغبطة مع الأساقفة والآباء والملصين الى قاعة البطريركية للتهاني والمعايدة. وكما هي العادة من كل عام قام غبطة البطريرك بتسليم مفتاح كاتدرائية يعقوب أخو الرب للكهنة والوكلاء بصفته الرئيس الروحي لأخوية القبر المقدس وبطريرك الرعية.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس الرسول يعقوب أخي الرب أول رؤساء أساقفة آوروشليم 

كلمة البطريرك تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

يقول القديس يعقوب أخو الرب “طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ”. (يعقوب 1: 12)

أيها الإخوة المحبوبون في المسيح،

أيها المسيحيون الزوار الأتقياء،

إن الذي استنار بشعاع الروح القدس الناري يعقوب أخو الرب، قد جمعنا اليوم كلنا في كنيسته التي تحمل اسمه بجانب القبر المقدس القابل الحياة، قبر إلهنا ومخلصنا المسيح لكي نكرم تذكاره المقدس بالتمجيد والبركة السرية.

إن للقديس يعقوب مكانة بارزة بين الرسل بحسب شهادة الرسول بولس إذ يُعتبر أحد أعمدة الكنيسة المسيحية الأولى، وقد ترأس القديس يعقوب المجمع الرسولي الأول في آوروشليم، ويظهر مرة أخرى الرسول بولس له (اع 21: 18). وأيضاً يشهد بصراحةٍ للقديس يعقوب بظهور الرب له بعد قيامته من بين الأموات، إذ يقول الرسول بولس وبعد ذلك ظهر ليعقوب، ثم للرسل أجمعين. وآخر الكل – كأنه للسقط – ظهر لي أنا. (1كور 15: 7-8).

إن يعقوب الصديق في رسالته الجامعة المعروفة يذكر عن قوة الصبر الذي من خلاله يستطيع كل مؤمن أن يواجه مختلف أنواع التجارب أي الضيقات التي يعاني منها ويعيشها في حياته اليومية لذلك فهو يحثنا قائلاً: طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ.

وبتوضيح أكثر أنه مغبوط الرجل الذي يتحمل التجربة والضيق والأحزان بصبرٍ وبقوةٍ، هو مغبوط لأنه عندما يثبت بالتجربة والضيق ويمتحن ويتدرب ينال إكليل الحياة الأبدية البهي والمجيد الذي وعد به الرب أولئك الذين يحبونه.

إن إكليل الحياة أي الحياة الأبدية هو إكليل الوعد الذي وعد به الرب قائلاً: اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ.(متى 24: 35) هو الإكليل الذي سنناله ليس من أجل أعمالنا بل لصلاح الله الذي وعدنا به ،كما يفسر القديس يوحنا الذهبي الفم قائلاً ما هو الجوهر لإكليل الحياة الذي أعده الله للذين يحبونه؟ إن الذي أعده الله للذين يحبونه هو إلهيٌّ لهذا لا نستطيع أن نراه ولا أن نسمعه ولا حتى أن يدركه العقل البشري,

إن الإنسان المؤمن يُمتحن ويُجرب لكي يكشف ويعرف أعماق قلبه، كما يقول النبي موسى المعاين لله ” الله.. يُذِلَّكَ وَيُجَرِّبَكَ لِيَعْرِفَ مَا فِي قَلْبِكَ: أَتَحْفَظُ وَصَايَاهُ أَمْ لاَ؟ (تثنية 8: 2) أي أن الله يفتقدكم لكي من خلال أحزانكم يجربكم وتأتي قلوبكم إلى النور أي هل ستحفظون وصايا الله ساعة التجربة أم لا؟ كما يقول النبي موسى لشعبه.

وبحسب القديس يعقوب فإن المؤمن يُمتحن ويُجرب من الله لكي ينال الحياة الأبدية لهذا فهو يغبط أولئك الذين يحتملون التجارب طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ. (يعقوب1: 12) وبحسب القديس الرسول بولس: وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ. (2تيم 3: 12).

ويفسر إيكومينيوس أقوال الرسول بولس هذه قائلاً: إن الاضطهادات هنا التي يقصدها الرسول بولس هي أولاً وقبل كل شيء من الوثنيين وأيضاً من الأحزان والتجارب، وأما القديس يوحنا الذهبي الفم فيقول لا يمكن لإنسان أن يسلك في حياة الفضيلة إلا ويتعرض لحزن أو تعب أو تجربة.

حقاً أيها الإخوة الأحبة إن من يسير في طريق الفضيلة يمتحن ويجرب من الحزن والآلام والتعب وأنواع التجارب المختلفة ولكن هذه التجارب لا تأتي من الله ولا هو سببها لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا (يع 1: 13) لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ. (يعقوب 5: 11). ويعلم القديس يعقوب مشجعاً إيانا أن يكون لنا مثالاً للصبر لكي نقتدي بهم الأنبياء ورسل الله إذ يقول “خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالًا لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ. (يعقوب 5: 10-11).

إن المسيح يهيئ تلاميذه للتجارب التي سوف تواجههم لهذا فهو يقول لبطرس: «سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! (لوقا 22: 31) وبتوضيح أكثر سمعان سمعان هوذا الشيطان الآن طلب أن يزعزعكم ويهزكم كما يُنَخلُ القمح داخل الغربال.

ويشرح القديس كيرلس الإسكندري موضحاً بأن الرب في إشارة إلى إنكار بطرس له أضاف قائلاً: وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ(لوقا 22: 32). أي كن سنداً ومعلماً لأولئك الذين سيأتون إلي (أي إلى المسيح) بالإيمان، وها قد أصبح من الواضح أنه بسبب صلاة المسيح وتوسله فإنه لم يتلاشى أو يفنى إيمان تلاميذه وأيضاً إيمان كل واحد تعثر من المؤمنين.

وبمعنى آخر أيها الإخوة الأحبة إن المؤمن الممتحن والمجرب هو محميٌّ بقوة الله الآب وصلاة المسيح ابنه لهذا فإن القديس يعقوب يوصي قائلاً: أَعَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ فَلْيُصَلِّ. أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ (يعقوب 5: 13-15) وأما القديس يوحنا الإنجيلي فيقول: لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ.

وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا. (1 يوحنا 5: 4) ويُعَلّمْ ربنا ومخلصنا يسوع المسيح قائلاً: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ وَلاَ تَشُكُّونَ، فكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي الصَّلاَةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ. (متى 21: 21). لقد وعد الله بأنه لن ولم يسمح أن نجرب فوق طاقتنا ولكن مع التجربة سيحضر نهايتها حتى نستطيع أن نحتملها كما يقول الرسول بولس اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا.(1كور 10: 13).

نتضرع إلى من نعيد له اليوم الصديق يعقوب أخ الرب أول رئيس أساقفة على كنيسة المسيح المقدسة الآوروشليمية لكي بتضرعاته وتوسلات الفائقة البركات المجيدة سيدتنا والدة الإله الدائمة البتولية مريم نستطيع أن نحتمل التجارب والآلام التي يعاني منها شعبنا المؤمن في مدينة آوروشليم المقدسة وفي منطقتنا كافةً. آمين

إلى سنين عديدة سلامية