لقرابة نصف قرن، كان الأب رانييرو كانتالاميسا صوت التأمّل الروحي في الفاتيكان، إذ ألقى كلّ العِظات خلال زمنَي المجيء والصّوم على مسامع 3 باباوات مختلفين والكوريا الرّومانيّة. بعد أن عيّنه البابا يوحنا بولس الثّاني سنة 1980، وتابع دَوره خلال حبريّة البابا بندكتس السادس عشر ثمّ البابا فرنسيس، لم تصدح عِظاته ضمن جدران الفاتيكان فحسب، بل بلغت ملايين الإيطاليّين عبر كُتبه، تعاليمه، وظهوراته الإعلاميّة، لا سيّما في برنامج The reasons for Hope على قناة RAI. ورؤيته للإيمان المتجذّر في الرّوحانيّة والاختبار البشريّ أثّرت على العديد من الأجيال. أمّا في 9 تشرين الثاني، فقد تقاعد الكبوشيّ البالغ من العمر 90 عاماً من دَوره، ومرّر مسؤوليّاته إلى واعِظ جديد هو الأب روبرتو بازوليني، كما أورد الخبر القسم الإنكليزي من زينيت. في التّفاصيل، اختار البابا فرنسيس بازوليني ليخلف كانتالاميسا كواعظ الدّار الرّسوليّة، عاهِداً له بمهمّة إرشاد الكوريا وتلاوة التأمّلات الروحيّة على مسامع أعضائها، خلال زمنَي المجيء والصّوم. في هذا السّياق، سيُضفي الأب بازوليني – المعروف بالتزامه الدينامي في العمل الرعويّ – الخلفيّة الفريدة لديه على دَوره. لسنوات، كان ناشِطاً في مقاطعة Navigli في ميلانو، أي مركز الحياة الليليّة، حيث عمِل مع الجماعات المهمّشة. ومع خبرة في مطابخ تحضير الطعام والسّجون والتّعامل مع المشرّدين، تعكس موهبة بازوليني صِلة عميقة بأعضاء المجتمع الأكثر ضعفاً. يبلغ بازوليني 53 سنة من العمر، ويقرن المهنة الأكاديميّة بالتزامه بالخدمة الرعويّة. وُلد في ميلانو، انضمّ إلى الكبوشيّين الفرنسيسكان سنة 2002 وسيمَ كاهناً سنة 2006. ومذّاك الوقت، علّم اللّغات البيبليّة وهو يعمل الآن كأستاذ في كلية اللاهوت شمالي إيطاليا، بالتّعاون مع أبرشيّة ميلانو. علاوة على دَوره الأكاديمي، يُنظّم بازوليني خلوات روحيّة مع إرشاد، ويترأس مبادرات خيريّة. كما وتضمّ اهتماماته التكنولوجيا والإعلام، خاصّة وأنّه كان يعمل كتقنيّ ومتخصّص بشؤون الإنترنت قبل دعوتِه. وبحسب ما قاله مرّة خلال مقابلة، فإنّ “الحرية الحقيقيّة هي التحرّر من الشّعور بالذّنب، والذي استعدناه عندما افتدانا المسيح”. ماذا عن كانتالاميسا الآن؟ سينتقل إلى حياة هادئة من الصّلاة والتأمّل في “دَير المحبّة الرّحيمة” في Cittaducale، على أن يكون مُرشد جماعة راهبات Poor Clare. سيبقى تأثير تعاليم كانتالاميسا قويّاً، خاصّة بين الشباب الكاثوليك الذي يُشاطرون تأمّلاته عبر الإنترنت، بعد حياة كامِلة من الخدمة. ومع تولّي الأب بازوليني هذا الدّور، فإنّه لا يرث منصّة كانتالاميسا فحسب، بل إرثه الروحي العميق أيضاً. وبالتزام بازوليني بمواجهة التحديات المعاصِرة عبر عدسة الإيمان، يمكن للإدارة البابويّة أن تتوق إلى وجهة نظر جديدة متجذّرة في التّقليد، وملتزمة في العالم.