البابا يستقبل المشاركين في مؤتمر تنظمه المكتبة الرسولية الفاتيكانية

استهل البابا خطابه مرحباً بالحاضرين وخاصاً بالذكر المطران زاني وجميع المدراء والأشخاص الذين يساهمون في حياة هذه المؤسسة الفاتيكانية. ولفت إلى أن المكتبة الرسولية شاءت أن تتحاور مع المؤسسات الصديقة بشأن عدد من المواضيع الهامة مطلقة بذلك لقاءات للدراسة على أمل أن تستمر في المستقبل وتزيد من الغنى المتبادل.وأكد الحبر الأعظم أن هذا الحوار يساعد الجميع على تطوير القدرات التعليمية والثقافية في المكتبات، خصوصا في هذا الزمن الذي نعيشه اليوم، مضيفا أن تلك المؤسسات مدعوة إلى نقل تراث الماضي إلى الأجيال الجديدة، التي تحتاج إلى بيئات صلبة، مضيافة واشتمالية تمكّنهم من عيش الحاضر وتوجيه الأنظار نحو المستقبل.هذا ثم توقف فرنسيس عند شخصية البابا الراحل بيوس الحادي عشر، الذي سماه بعض الباحثين بـ”البابا المكتبي”، وقد شغل منصب مدير لمكتبة ميلانو، ثم للمكتبة الرسولية الفاتيكانية، وقد عرف كيف يعزز دور المكتبة خلال مرحلة تاريخية حساسة، أي بين الحربين العالميتين. وفي وقت تحولت فيه الثقافة في أوروبا إلى أيديولوجيات متضاربة، جعل ذلك البابا من المكتبة الفاتيكانية فسحة آمنة للعديد من الباحثين، بمن فيهم من كانوا مضطهدين من قبل الأنظمة التوتاليتارية في تلك الحقبة.مضى البابا إلى القول إننا نجد أمامنا اليوم أيضا تحديات ثقافية ومجتمعية مقررة، مضيفا أن التكنولوجيا بدّلت بشكل كبير عمل القيمين على المكتبات، كما أن وسائل التواصل والموارد المعلوماتية فتحت دروباً لم يكن تصورها ممكناً منذ بضع سنوات.  وأضاف أن هذا الواقع الجديد يحمل منافع عديدة، لكنه لا يخلو من المخاطر، لأن مخزونات المعلومات الكبيرة هي بمثابة مناجم غنية، لكن من الصعب أن يتم التدقيق بجودتها.وأشار الحبر الأعظم إلى أن عملية إدارة الأرشيف الورقي هي مكلفة جداً وهذا الأرشيف متاح في البلدان الغنية، فيما تلك الفقيرة تعاني من الفقر المادي والفكري والثقافي. وحذّر البابا من الإنفاق على التسلح الذي يحرم الثقافة من الموارد المالية المطلوبة كي تنتشر، ولفت أيضا إلى الصراعات المسلحة التي تحول دون تعلّم الطلاب، وتدمر المدارس والجامعات والمشاريع التربوية.بعدها قال فرنسيس إن هناك العديد من المؤسسات الثقافية التي تعاني من عنف الحروب، وشدد على ضرورة أن يلتزم الجميع في الحيلولة دون تكرار ما حصل في الماضي، داعياً إلى التسلح بالثقافة من أجل مواجهة صراع الحضارات والاستعمار الأيديولوجي وإلغاء الذاكرة. وحذر من مغبة أن تُبنى جدران افتراضية بالإضافة إلى الجدران التي تفصل بين الدول، واعتبر في هذا السياق أن المسؤولين عن المكتبات مدعوون إلى الحفاظ على التراث التاريخي والعمل على نشر المعارف، كي تصبح المكتبات فسحات للسلام وواحات للقاء والنقاش الحر.تابع البابا فرنسيس كلمته إلى المشاركين في المؤتمر الذي تنظمه المكتبة الرسولية الفاتيكانية متوقفاً عند معايير أربعة اقترحها في الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل”: المعيار الأول هو أن الوقت ينبغي أن يتفوق على المكان لذا لا بد أن تصبح المكتبات أماكن يتوفر فيها الوقت للتفكير والتأمل والانفتاح على البعد الروحي والمتسامي، ولتعزيز نمو أنسنة جديدة. أما المعيار الثاني فهو أن تتفوق الوحدة على الصراع، مضيفا أن البحث الأكاديمي يولد الاختلافات لكن لا بد من معالجتها ضمن نقاش جاد، كما يجب أن تكون المكتبات منفتحة على كل بيئات المعرفة، وأن تشهد لوحدة النوايا إزاء وجهات النظر المختلفة.المعيار الثالث، مضى البابا إلى القول، هو أن الواقع أهم من الفكرة، واعتبر أنه من المفيد أن ينمو التنبه للواقع بشكل وثيق مع المقاربة النقدية، كي لا يكون هناك تعارض بين الفكر والخبرة، بين الوقائع والمبادئ، بين الممارسات والنظريات. أما المعيار الرابع والأخير فهو أن الكل يتفوق على الجزء. ولفت البابا في هذا السياق إلى أننا مدعوون إلى تحقيق التناغم بين ما هو محلي وما هو عالمي، متذكرين أن الفرد ليس معزولاً عن محيطه، لأن كل واحد منا شخص تربطه مع الآخرين علاقات ضمن شبكة مجتمعية، وعليه أن يشارك ضمنها بمسؤولية.في الختام شجع البابا فرنسيس ضيوفه على عدم الخوف من تعقيدات العالم الذي دُعينا للعمل فيه. وتمنى أن ينمو، ضمن بيئة المكتبة، هؤلاء الكتبة الحكماء الذين أشاد بهم الرب يسوع لأنهم يعرفون كيف يستخرجون من كنزهم أشياءً جديدة وأشياءً قديمة من أجل فائدة الجميع. هذا ثم منح البابا المشاركين في المؤتمر بركاته الرسولية وطلب منهم أن يصلوا من أجله وألا ينسوا حس الفكاهة.