بمناسبة انعقاد قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو فب البرازيل في ١٨ و١٩ تشرين الثاني نوفمبر الجاري وجه قداسة البابا فرنسيس رسالة إلى رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، والقادة المشاركين في اللقاء، قرأها أمين سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان وكتب فيها الأب الأقدس أود أن أهنئكم على دوركم في رئاسة مجموعة العشرين التي تمثل أكبر الاقتصادات في العالم. كما أتقدم بالتحية الحارة لجميع الحاضرين في قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو. ويحدوني أمل صادق في أن تسهم مناقشات ونتائج هذا الحدث في النهوض بعالم أفضل ومستقبل مزدهر للأجيال القادمة.
تابع البابا فرنسيس يقول كما كتبتُ في رسالتي العامة “Fratelli tutti”،”على السياسة أن تجعل من القضاء الفعال على الجوع أحد أهم أهدافها الأساسية والضرورية. في الواقع، عندما تتلاعب المضاربات المالية بأسعار المواد الغذائية، وتتعامل معها على أنها مجرد سلعة أخرى، فإن الملايين من الناس سيتألّمون ويموتون من الجوع. وفي الوقت عينه، يتم التخلص من أطنان من الأغذية. وهذا الأمر يشكل عارًا حقيقيًّا. الجوع هو جريمة، والغذاء هو حق غير قابل للتصرف”. في كثير من الأحيان، وفيما نواصل نزاعاتنا الدلالية أو الأيديولوجية، نسمح بأن يموت إخوتنا وأخواتنا من الجوع والعطش”. ومع ذلك، في سياق عالم معولم يواجه العديد من التحديات المترابطة، من الضروري أن نعترف بالضغوطات الكبيرة التي تمارس حاليًا على النظام الدولي. وتتجلى هذه الضغوط في أشكال مختلفة، بما في ذلك اشتداد الحروب والنزاعات، والنشاطات الإرهابية، والسياسات الخارجية الحازمة، والأعمال العدوانية، فضلاً عن استمرار أعمال الظلم. لذلك من الأهمية بمكان أن تقوم مجموعة العشرين بتحديد سبل جديدة لتحقيق سلام مستقر ودائم في جميع المناطق التي تشهد نزاعات بهدف استعادة كرامة المتضررين.
أضاف الأب الأقدس يقول إن النزاعات المسلحة التي نشهدها حالياً ليست فقط مسؤولة عن عدد كبير من الوفيات والنزوح الجماعي والتدهور البيئي؛ بل هي تساهم أيضاً في زيادة المجاعة والفقر، سواء بشكل مباشر في المناطق المتضررة أو بشكل غير مباشر في البلدان التي تبعد مئات أو آلاف الأميال عن مناطق النزاع، لا سيما من خلال تعطيل سلاسل الإمداد. إنَّ الحروب ما زالت تشكل ضغطًا كبيرًا على الاقتصادات الوطنية، لا سيما بسبب المبالغ الباهظة التي تنفق على الأسلحة والتسلح. كذلك، هناك مفارقة كبيرة فيما يتعلق بالحصول على الغذاء. فمن ناحية، يفتقر أكثر من ٣ مليارات شخص إلى نظام غذائي مغذٍ. ومن ناحية أخرى، يعاني حوالي ملياري شخص من زيادة الوزن أو السمنة بسبب سوء التغذية ونمط الحياة الخامل. وهذا الأمر يستدعي بذل جهود متضافرة للمشاركة بنشاط في التغيير على جميع المستويات وإعادة تنظيم النظم الغذائية ككل. علاوة على ذلك، من المثير للقلق أن المجتمع لم يجد حتى الآن طريقة لمعالجة الوضع المأساوي للذين يواجهون المجاعة. إن القبول الصامت من قبل المجتمع البشري للمجاعة هو ظلم فاضح وجريمة خطيرة. والذين يتسببون، من خلال الربا والجشع، في مجاعة وموت إخوتهم وأخواتهم في العائلة البشرية، يرتكبون بشكل غير مباشر جريمة قتل، وهي جريمة تُنسب إليهم. لذلك لا ينبغي ادخار أي جهد لانتشال الناس من الفقر والجوع.
تابع الحبر الأعظم يقول من المهم أن نضع في اعتبارنا أن مسألة الجوع ليست مجرد مسألة عدم كفاية الغذاء، بل هي نتيجة لظلم اجتماعي واقتصادي أوسع نطاقًا. فالفقر، بشكل، هو عامل مساهم كبير في الجوع، ويديم دورة من عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية المنتشرة في مجتمعنا العالمي. إنَّ العلاقة بين الجوع والفقر ترتبط ارتباطًا وثيقًا. وبالتالي من الواضح أنه يجب اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة للقضاء على آفة الجوع والفقر. ويجب القيام بذلك بطريقة مشتركة وتعاونية، بمشاركة المجتمع الدولي بأسره. إنَّ تنفيذ تدابير فعالة يتطلّبُ التزامًا ملموسًا من الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع ككل. ويجب إعطاء الأولوية للكرامة البشريّة التي وهبها الله لكل فرد، والوصول إلى الخيور الأساسية والتوزيع العادل للموارد في جميع جداول الأعمال السياسية والاجتماعية. علاوة على ذلك، لا يمكن القضاء على سوء التغذية بمجرد زيادة الإنتاج الغذائي العالمي. في الواقع، هناك ما يكفي من الغذاء لإطعام جميع الناس على كوكبنا؛ إلا أن توزيعه غير متكافئ. لذلك من الضروري أن نعترف بالكمية الكبيرة من الأغذية التي يتم هدرها يوميًّا. إن معالجة هدر الغذاء هو تحدٍ يتطلب عملًا جماعيًا. وبهذه الطريقة، يمكن إعادة توجيه الموارد نحو استثمارات تساعد الفقراء والجياع على تلبية احتياجاتهم الأساسية. كذلك، من الضروري أيضًا أن توضَع موضِع التّنفيذ نظم غذائية مستدامة بيئيًا ومفيدة للجماعات المحلية.
أضاف الأب الأقدس يقول من الواضح أن اتباع نهج متكامل وشامل ومتعدد الأطراف هو أمر بالغ الأهمية لمواجهة هذه التحديات. وبالنظر إلى حجم المشكلة ونطاقها الجغرافي، فإن الحلول قصيرة الأجل غير كافية. فالرؤية والاستراتيجية الطويلة الأجل هي ضرورية لمكافحة سوء التغذية بفعالية. كما أن الالتزام المستدام والمتواصل هو ضروري لتحقيق هذا الهدف، ويجب ألا يكون مرهوناً بالظروف الآنية. ومن هذا المنطلق، يحدوني الأمل في أن يكون للتحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر تأثير كبير على الجهود العالمية لمكافحة الجوع والفقر. ويمكن أن يبدأ التحالف بتنفيذ اقتراح الكرسي الرسولي الذي طال أمده، والذي يدعو إلى إعادة توجيه الأموال المخصصة حاليًا للأسلحة والنفقات العسكرية الأخرى نحو صندوق عالمي يهدف إلى معالجة الجوع وتعزيز التنمية في البلدان الأكثر فقرًا. هذا النهج من شأنه أن يساعد على منع المواطنين في هذه البلدان من اللجوء إلى حلول عنيفة أو وهمية، أو من مغادرة بلدانهم بحثًا عن حياة أكثر.
تابع الحبر الأعظم يقول من الضروري أن ندرك أن الفشل في الوفاء بالمسؤوليات الجماعية للمجتمع تجاه الفقراء لا ينبغي أن يؤدي إلى تحويل أو مراجعة الأهداف الأولية إلى برامج تتجاهل الاحتياجات الحقيقية للشعوب بدلا من أن تلبيها. وفي هذه الجهود لا يمكن تجاهل أو تدمير الجماعات المحلية والغنى الثقافي والتقليدي للشعوب باسم مفهوم ضيق وقصير النظر للتقدم. إن القيام بذلك من شأنه، في الواقع، أن يخاطر بأن يصبح مرادفًا لـ “الاستعمار الأيديولوجي”. وبهذا المعنى، ينبغي أن يتم التخطيط للتدخلات والمشاريع وتنفيذها استجابة لاحتياجات الأشخاص وجماعاتهم، وليس فرضها من الأعلى أو من قبل كيانات لا تسعى إلا لمصالحها أو أرباحها الخاصة.
وخلص البابا فرنسيس إلى القول من جهته سيستمر الكرسي الرسولي في تعزيز الكرامة البشرية وتقديم مساهمته الخاصة من أجل الخير العام، مقدما خبرة ومشاركة المؤسسات الكاثوليكية في جميع أنحاء العالم، لكي لا يُحرم أي إنسان في عالمنا من خبزه اليومي كشخص محبوب من الله. ليبارك الله القدير بوفرة أعمالكم وجهودكم من أجل التقدم الحقيقي للعائلة البشرية بأسرها.