نشر قداسة البابا فرنسيس صباح الأربعاء مرسومًا بابويًّا أنشأ بموجبه اللجنة البابوية لليوم العالمي للطفل المُكلَّفة بالإشراف على “التنشيط الكنسي والتنظيم الرعوي لليوم العالمي للطفل”، كما ورد في المادة الأولى من النظام الأساسي. وقد عيَّن البابا رئيسًا للجنة الأب إنزو فورتوناتو الفرنسيسكاني، الذي كان حتى الآن منسقًا لليوم العالمي للطفل.
كتب الأب الأقدس لقد كان الوضع الاجتماعي للطفل، على مر تاريخ البشرية، موضوعًا للعديد من إعادة الصياغة النظرية والعملية. في زمن يسوع المسيح، لم يكن الأطفال يحظون باعتبار كبير، كونهم “لم يكونوا رجالاً بعد”. في الواقع، كانوا يزعجون الحاخامات العازمين على شرح أسرار الملكوت. في الإنجيل، حتى الرسل كانوا يخشون من أن يزعج الأطفال المعلم الذي، بدلاً من ذلك، يُظهر تعاطفًا كبيرًا تجاههم. فهو لا ينزعج منهم فحسب، بل يقترحهم كنماذج للتتلمذ، لأنه “لأمثال هؤلاء ملكوت الله”. والتلاميذ مدعوون إلى التشبه بالأطفال، لا في المواقف الطفولية التي يوبخ عليها يسوع، وإنما في الدهشة التي لا يزال الطفل اليوم أيضًا يتفاعل بها إزاء الحياة، لأن “من لم يقبل ملكوت الله مثل الطفل، لا يدخله”. إن نظرة الطفل هي نظرة منفتحة على السرّ، ترى ما يصعب على البالغين رؤيته. لذلك يُدعى التلميذ لكي ينمو في الثقة، في التخلّي، في الدهشة، وفي التعجّب: جميع هذه الخصائص التي غالباً ما يطفئها العمر وخيبة الأمل في الإنسان.
تابع البابا فرنسيس يقول إن الوحي المسيحي يجعل الكنيسة تدرك أن الأطفال قد افتُدوا بدم المسيح وصاروا بنعمته أبناء الله وأصدقاءه وورثة المجد الأبدي. لذلك فهم ذوو قيمة أولاً لأنفسهم، في فصل الحياة الذي يعيشونه، وليس فقط بالنظر إلى ما يمكن أن يعطوه في المستقبل للعائلة أو المجتمع أو الكنيسة أو الدولة. إنَّ العائلة والكنيسة والدولة هم للأطفال، وليس الأطفال للمؤسسات. إنَّ الإنسان منذ طفولته هو موضوع حقوق غير قابلة للتصرف، وغير قابلة للانتهاك وعالمية. والكنيسة، باسم الله، وبسلطة تجعل من نفسها صوت حقوق “غير المضمونين”، وهم اليوم كثير من الأطفال. وأمام انتشار العنف والمخاطر التي تدوس حياة وكرامة الطفولة، تُعبر الكنيسة بقوة أكبر عن احتياجاتهم أمام جميع الأمم.
أضاف الأب الأقدس يقول إن حماية حقوق الأطفال هي في الواقع مسؤولية جسيمة تقع على عاتق الوالدين والمجتمع المدني والكنيسة كجماعة مربّية. إن حماية حقوق الأطفال هي واجب الكنيسة وأول شكل من أشكال المحبة فيها. وكما يعلّم القديس يوحنا بولس الثاني: “لا يمكن للإنسان أن يعيش بدون حب. لأنه يبقى بالنسبة لنفسه كائنًا غير مفهوم، إذا لم تنكشف له المحبة، وإذا لم يختبرها وإذا لم يشارك فيها بشكل فعال”. لذلك يحتاج الأطفال ولهم الحق بأن يتم الاعتراف بهم وقبولهم وفهمهم من قبل الأم والأب والعائلة، لكي يتحلّوا بالثقة؛ أن يكونوا محاطين بالعاطفة ويتمتعوا بالأمان العاطفي، سواء كانوا يعيشون مع والديهم أم لا، لكي يكتشفوا هويتهم الخاصة؛ أن يكون لكل واحد منهم اسم وعائلة وجنسية واحترام وسمعة طيبة، لكي يتمتع بالأمان والاستقرار العاطفي في ظروف معيشته وتربيته.
تابع الأب الأقدس يقول إن حق الطفل في أن ينمو ينطوي أيضًا على المسؤولية التربوية للكنيسة مع الوالدين والمجتمع المدني. يحتاج الأطفال أن يجدوا في الكنيسة تعابير يسوع الراعي الصالح في وجوه الذين يأخذون على عاتقهم التربية والتعليم كرسالة ورسالة وعمل رسولي، مدركين التزامهم التربوي. وبالتالي وفي ضوء ما تم الكشف عنه حتى الآن وبهدف إعطاء تحقيق ملموس لالتزام الكنيسة تجاه الأطفال، قررتُ أن أنشئ اليوم العالمي للطفل بهدف: إعطاء صوت لحقوق الأطفال ووضعهم في محور عمل الكنيسة الرعوي في الاهتمام عينه الذي كان يسوع يوليه تجاههم،انطلاقًا من “أصوات الأطفال والرضع” للتأكيد على قوة الله ومجده؛ تعزيز خبرة كنيسة جامعة تعبّر عن نفسها في الأبعاد الأبرشية والوطنية، لكي تصبح الجماعة المسيحية بأسرها أكثر فأكثر جماعةً مُربّية قادرة أولاً على أن تسمح لصوت الصغار بأن يبشِّرها؛ بصوت الصغار؛ أن تُتاح الفرصة للكنيسة الجامعة بأن تتحلّى بمشاعر الصغار الذين دعاهم المخلّص، لكي تتخلّى عن “علامات السلطة وتتحلّى بسلطة العلامات”، لتصبح بيتًا مضيافًا وصالحًا للعيش للجميع، بدءًا من الأطفال؛ أن نجعل ربّنا يسوع المسيح معروفًا ومحبوبًا ومخدومًا بشكل أفضل من قبل الأطفال في وجهه كصديق وراعٍ صالح، ونُجذِّر إيمانهم في تقليد الأطفال القديسين الذي نالته الكنيسة كعطيّةٍ وتحفظه كإرثٍ روحيّ، علينا أن ننقله إلى الصغار وعائلاتهم ومربيهم؛ تسليط الضوء على الكنيسة كأم، سواء في التحضير في التعليم المسيحي أو في الاحتفالات.
أضاف الأب الأقدس يقول أرغب في أن يتم الاحتفال بهذا اليوم على مستوى الكنيسة الجامعة والكنائس الخاصة وعلى مستوى تجمعاتها الإقليمية والوطنية. وأوكل التحضير لليوم العالمي للطفل إلى مجالس الأساقفة الإقليمية والوطنية التي ستشكل لجانًا تنظيمية محلية. ولكي تجد هذه المبادرة مرسى مؤسساتيًا داخل الكوريا الرومانية، فإنني أُنشئ بكتابي هذا اللجنة البابوية لليوم العالمي للطفل، وأعترف بشخصيتها القانونية الكنسية العامة وفقًا للمادة ٢٤١ من الدستور الرسولي “Praedicate Evangelium” وأقر في الوقت نفسه نظامها الأساسي. وأعيّن هذه الهيئة كمنسقة ومروجة لمبادرات اللجان المنظمة الوطنية والإقليمية. ولكي لا يبقى اليوم العالمي للطفل حدثًا منعزلًا، ولكي يصبح العمل الراعوي للأطفال أولوية مؤهلة بشكل من الناحية الإنجيلية والتربوية، ستكون اللجنة البابوية مستعدة وجاهزة للتعاون مع المكاتب الرعوية المختصة في الكنائس الخاصة والمجالس الأسقفية.