البابا فرنسيس: لتفتح الكنيسة أبوابها للنساء اللاتي يعانين من التمييز والعائلات الجريحة

استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الاثنين في القصر الرسولي بالفاتيكان الجماعة الأكاديمية للمعهد اللاهوتي البابوي يوحنا بولس الثاني وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال كما تعلمون، تنص الوثيقة الختامية للجمعية السادسة عشرة للسينودس على أن العائلات هي “مكان مميز لتعلم واختبار الممارسات الأساسية لكنيسة سينودسيّة”. ولهذه الغاية، يجب أن ينمو فيها الوعي بأنها “أطراف فاعلة وليست مجرد متلقية لراعوية العائلة” ومسؤولة عن “بناء الكنيسة والالتزام في المجتمع”. نحن نعلم مدى أهمية الزواج والعائلة بالنسبة لحياة الشعوب، وقد اعتنت الكنيسة دائمًا بالزواج والعائلة ودعمتهما وبشرتهما.
تابع الأب الأقدس يقول لسوء الحظ، هناك بلدان لا تحترم فيها السلطات العامة الكرامة والحرية التي يتمتع بها كل إنسان كابن لله كحق غير قابل للتصرف. غالبًا ما تثقل القيود والواجبات كاهل النساء بشكل خاص، وتجبرهن على اتخاذ مواقع دونية. ولكن منذ البداية، كان هناك نساء أيضًا بين تلاميذ الرب، و”في المسيح يسوع”، كما كتب القديس بولس: “ليس هناك ذكر وأنثى”. هذا لا يعني أن الفرق بين الاثنين قد ألغي، وإنما أن ليس هناك تمييز بين الرجل والمرأة في مخطّط الخلاص: كلاهما ينتمي إلى المسيح، كلاهما “من نسل إبراهيم ويرثان بحسب الوعد”.
أضاف الحبر الأعظم يقول بيسوع “تحررنا جميعًا من الخطيئة والحزن والفراغ الداخلي والعزلة”، وإنجيل العائلة هو فرح “يملأ القلب والحياة كلها”. هذا الإنجيل هو الذي يساعد الجميع، في كل ثقافة، على البحث دائمًا عما يتوافق مع الإنسان والرغبة في الخلاص المتجذرة في كل رجل وامرأة. إن سرّ الزواج، بشكل خاص، هو مثل الخمر الجيّدة التي قُدِّمت في وليمة عرس قانا. في هذا الصدد، لنتذكر أن الجماعات المسيحية الأولى تطورت في شكل منزلي، ووسّعت النواة العائلية من خلال استقبال مؤمنين جدد، وكانت تجتمع في البيوت. وكبيت مفتوح ومضياف، بذلت الكنيسة منذ البداية قصارى جهدها لكي لا يمنع أي عائق اقتصادي أو اجتماعي الأشخاص من عيش اتباع يسوع. إنَّ الدخول في الكنيسة يعني دائمًا تدشين أخوّة جديدة، مؤسَّسة على المعمودية، وتعانق الغريب وحتى العدو. وإذ تلتزم بالرسالة عينها، لا تغلق الكنيسة اليوم أيضًا الباب أمام الذين يتعبون في مسيرة الإيمان، لا بل تفتحه على مصراعيه، لأن الجميع “يحتاجون إلى عناية رعوية رحيمة ومُشجِّعة”.
تابع الأب الأقدس يقول إنَّ “منطق الادماج الرعوي هو مفتاح المرافقة الرعوية” للذين “يتعايشون مؤجلين إلى أجل غير مسمى التزامهم الزوجي” وللمطلقين والمتزوجين من جديد. “إنهم معمَّدون، وهم إخوة وأخوات، والروح القدس يسكب فيهم المواهب لخير الجميع”: إن حضورهم في الكنيسة يشهد على رغبتهم في المثابرة في الإيمان، على الرغم من جراح التجارب المؤلمة. وبدون أن تستثني أحدًا، تشجع الكنيسة العائلة، القائمة على الزواج، وتساهم في كل مكان وزمان في جعل الرباط الزوجي أكثر صلابة بفضل ذلك الحب الذي هو أعظم من كل شيء: المحبة. في الواقع، إن “قوة العائلة تكمن أساسًا في قدرتها على أن تحب وتعلِّم الحب”؛ ومهما كانت العائلة مجروحة “يمكنها دائمًا أن تنمو انطلاقًا من الحب”. أيها الأحباء، إن التحديات والمشاكل والآمال التي تؤثر على الزواج والعائلة اليوم هي منقوشة في العلاقة بين الكنيسة والثقافة، والتي سبق أن دعانا القديس بولس السادس إلى النظر فيها، مؤكدًا أن “الشرخ بين الإنجيل والثقافة هو مأساة عصرنا”. لقد عمّق القديس يوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر موضوع الانثقاف من خلال التركيز على قضايا التعدد الثقافي والعولمة. إن القدرة على مواجهة هذه التحديات تعتمد على إمكانية القيام بشكل كامل بالرسالة التبشيرية التي تلزم كل مسيحي. وفي هذا الصدد، أغنى السينودس الأخير الوعي الكنسي لجميع المشاركين: إن وحدة الكنيسة ذاتها تتطلب في الواقع الالتزام بتجاوز الغربة أو الصراعات الثقافية، وبناء الانسجام والتفاهم بين الشعوب.
أضاف الحبر الأعظم يقول إن لمعهد يوحنا بولس الثاني دور خاص في هذا المجال، من خلال الدراسات والأبحاث التي تطوّر فهمًا نقديًّا لمواقف المجتمعات والثقافات المختلفة تجاه الزواج والعائلة. لهذا السبب أردت أن يوسّع المعهد اهتمامه أيضًا “للتطورات في العلوم الإنسانية والثقافة الأنثروبولوجية في مجال أساسي جدًا لثقافة الحياة”. من الجيد أن تقوم فروع المعهد، الموجودة في مختلف بلدان العالم، بنشاطاتها في حوار مع العلماء والمؤسسات الثقافية، حتى وإن اختلفت توجهاتها، كما يحدث بالفعل مع جامعة روما تري والمعهد الوطني للسرطان.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول آمل أن يدعم المعهد في كل جزء من العالم الأزواج والعائلات في رسالتهم ويساعدهم ليكونوا أحجارًا حيّة للكنيسة وشهودًا للأمانة والخدمة والانفتاح على الحياة والاستقبال. لنسر معًا في اتباع المسيح! إن هذا الأسلوب السينودسي يتوافق مع التحديات الكبيرة التي تواجهنا اليوم، والتي تشكل العائلات أمامها علامة للخصب والأخوّة اللذين يقومان على الإنجيل. أتمنى لكم جميعًا سنة دراسية مثمرة. أبارككم جميعًا. وأسألكم من فضلكم أن تصلوا من أجلي.