عيد القديس الشهيد في الكهنة فيلومينوس أخويّ القبر المقدس

إحتفلت البطريركية ألاورثوذكسية ألاورشليمية يوم الجمعة الموافق 29 تشرين ثاني 2024  (يعادله 16 تشرين الثاني حسب التقويم الشرقي) بعيد القديس فيلومينوس أخويّ القبر المقدس في كنيسة دير بئر يعقوب في مدينة نابلس في السامرة.

في هذا اليوم تقيم كنيسة أورشليم تذكار القديس فيلومينوس الذي يرجع أصله من قبرص, أنضم الى أخوية القبر المقدس في سن مبكرة وخدم بإخلاص في خدم مختلفة, وأخيراً عُين رئيساً روحياً لدير بئر يعقوب. في يوم عيد القديس متى الرسول في 29 تشرين ثاني عام 1997 استشهد على يد رجل متطرف يهودي عندما كان يقوم بخدمة صلاة العصر المعتادة ويتواجد في كنيسة البئر، حيث هجم عليه هذا الرجل بعنف وفتح شقاً عميقاً في جبهته ببلطة وقطع أصابع يده اليمنى. هذا الإستشهاد سلب حياته الأرضية وأعطاة ميراث الحياة الأبدية.

عام 2009 اصدر المجمع المقدس للكنيسة ألاورشليمية قراراً لادراجه في سنكسار قديسي الكنيسة ألاورشليمية والكنيسة ألاورثوذكسية بعد ثلاثين عاماً من استشهاده واصبح القديس الشهيد في الكهنة فيلومينوس, ويُحتفل بعيده في يوم استشهاده في السادس عشر من شهر تشرين الثاني شرقي الموافق التاسع والعشرين تشرين الثاني غربي.

في كنيسة القديسة فوتيني السامرية فوق بئر يعقوب والتي تضم أيضاً كنيسة القديس فيلومينوس والقديس يوستينيوس الفيلسوف النابلسي، ترأس صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث خدمة القداس الإلهي يشاركه سيادة متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس, سيادة رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس, آباء أخوية القبر المقدس يتقدمهم وكيل القبر المقدس الجديد في أثينا قدس الأرشمندريت يِرونيموس,  قدس الأرشمندريت ميلاتيوس, قدس الأرشمندريت كيرياكوس من دير القديس جيراسيموس, كهنة الرعية الأورثوذكسية في نابلس, كهنة الرعية الروسية, المتقدم في الشمامسة الأب ماركوس والشماس المتوحد الأب سيميون والأب ذوسيذيوس. ورُتلت الخدمة باللغتين اليونانية والعربية بحضور وعدد من أبناء الرعية الأورثوذكسية من البلدان المجاورة والقدس ودير القديس جيراسيموس.

بعد القداس أقيمت دورة الزياح بذخائر القديس فيلومينوس التي تبارك منها المؤمنون, ثم اعد الرئيس الروحي للدير قدس الارشمندريت يوستينيوس مائدة غذاء.

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس الشهيد في الكهنة فيلومينوس الذي من أخوية القبر المقدس 

تعريب: قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي

هذا ما يقوله القديس يوحنا الإنجيلي في سفر الرؤيا: “وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ: «هذَا ما يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ (رؤيا 3 : 14)

أَيُّهَا اَلْإِخْوَةُ اَلْمَسِيحِيُّونَ اَلْمَحْبُوبُونَ،

أَيُّهَا اَلزُّوَّارُ اَلْأَتْقِيَاءُ،

إِنَّ كَنِيسَة أُورْشليم المقدَّسة كبولس آخر” حَامِلةً فِي جَسَدِها سِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ. تُعيد اليوْم لِلتِّذْكار اَلمُقدس اَلمُوقر لِلْقدِّيس اَلشهِيد فِي الكهَنة فِيلومينوس اَلذِي مِن أَخوَيه القبْر اَلمُقدس فِي هذَا المكَان اَلمُقدس عِنْد بِئْر يَعقُوب حَيْث فِي هذَا المكَان حدث الحوَار مَا بَيْن يَسُوع اَلمسِيح والْمرْأة السَّامريَّة مِن جِهةٍ واسْتشْهاد القدِّيس فِيلومينوس مِن اَلجِهة اَلأُخرى.

إِنَّ أَبِينَا اَلْبار فِيلومينوس كَعُضو شريف فِي طُغمَة المثقَّفين وَالتِي هِي أَخوِية القبْر اَلمُقدس وككاهن أصيل لِكنيسة أُورْشليم، قد حمل رَسْم وَسمَة القبْر المقدَّس. وَهذِه السِّمَات لَيسَت إِلَّا هِي مِن خِدْمَة المزارات الشَّريفة اَلتِي تَشهَد لِلْمسِيح اَلذِي مِن أَجلِنا تَألَّم وَصُلب وَقَام مِن بَيْن الأمْوات كمَا يَكرِز الرَّسول بُطرُس مُوصيًا إِيَّانَا وَقائِلاً: “لأَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالًا لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ. (1 بط 2: 21)

تُشير كلمات القدِّيس بُطرُس هَذِه إِلى الاقْتداء والتَّقْليد اَلدقِيق قَدْر الإمْكان فِي الإنْسان بِشَكل أَكمَل. وَبِحسَب تَفسِير القدِّيس كِيرْلس الإسْكنْدّريَّ لِكيْ تتبَّعوا خُطواته تَعنِي أن يَكُون فِي ذَواتِنا إِماتة اَلمسِيح حَتَّى لَا تَفعَل قُوَّة الخطيئة فِي الجسد. وعدا عن هذَا فَإِن اَلرَّب يُوصي: ومن لَا يَأخُذ صليبه ويتْبعني فلَا يسْتحقُّني. (متَّى 10: 38) وَمِن أَرَاد أن يَخلُص نَفسَه يُهْلكها، وَمِن يُهْلِك نَفسَه مِن أَجلِي يَجدُها. (متَّى 16: 25)

إنَّ أَقوَال اَلرَّب هَذِه، أنَّ اَلمسِيح بَذْل دَمِه على اَلصلِيب مُقَابِل خَلَاص نَفُوس جميع البشر صائرًا هُو بِذاته بِحَسب القدِّيس يُوحنَّا الإنْجيليِّ اللَّاهوتيِّ. الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ (رؤيا 3: 14) وبمعْنًى آخر أنَّ اَلمسِيح هُو اَلأمِين والشَّهيد الحقيقيُّ اَلذِي بذل دَمُه مِن أَجلِنا وَلنُسمع مَاذَا يَقُول أُورْيجانوس مُفَسرا هَذِه الأقْوال:”أنه لَيْس لِلْإنْسان شَيْء يُعْطِيه فِدَاءً وعوضًا عن نَفسِه الأسيرة تَحْت سُلْطان الموْتِ. مِن سينْقذهَا مِن يَدِي الموْتَ؟؟ فالْإنْسان لَا يَستطِيع أن يُعْطِي شيْئًا مُقَابِلاً أو فِدَاءً عن نَفسِه. فقط اَللَّه هو اَلذِي أَعطَى دم يَسُوع اَلمسِيح اَلثمِين فِدَاء ومقابلا عن نُفوسِنَا نَحْن جميع البشر.

فَممَّا سبق يَتضِح المعْنى الأعْمق، وَلكِن المضْمون الأساسيَّ أَيْضا، لِلاسْتشْهاد الخلاصيِّ لِإلهِنَا ومخلِّصنَا أو اَلمسِيح الشَّاهد اَلأمِين والصَّادق.

ويتبادر إِليْنَا السُّؤَال التَّالي، لِماذَا تُكرِّم اليوْم كَنِيسَة آُوروشْليم وبشكْل خاصٍّ تِذكار القدِّيس اَلشهِيد فِيلومينوسْ، وَذلِك لِأنَّ القدِّيس فِيلومينوس يَعُد مِن “السَّحابة” اَلتِي هِي جَماعَة شُهُود مَحبَّة المسيح. أنَّ هَذِه السَّحابة هي الشهود لآلاَمِ الْمَسِيحِ، (ا بطرس 5: 1) وهُم أُولئك الَّذين يتَّبعون اَلأمِين والشَّاهد الصَّادق فقد قَدمُوا لِلْكنيسة وللْعالم دِمائِهم شهادَةً. أنَّ هَذِه الشَّهادة بِالذَّات شَهادَة دم أَبِينَا القدِّيس فِيلومينوس مَا هِي إِلَّا مِن اِعْترافه بِأنَّ اَلمسِيح هُو إِتمَام وَملِئ النَّاموس الموسوي والْأنْبياء. إِذ إِنَّه نُور العالم وهُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ.(يوحنا 14: 6).

إِنَّ القدِّيس اَلشهِيد فِي الكهَنة فِيلومينوس كمَا يَقُول المرنِّمْ: لَقد وَخزَت وجلدَتْ. ولم يَنثَن عَزمُك. فلَا أَنكَرت اِسْم اَلمسِيح الخلاصيِّ. بل أَصبَحت ضَحيَّة اِخْتياريَّة. وصرْتُ ذَبِيحَة لِسيِّدك طَاهِرة كاملَة. مُقْتدِيًا ومماثلاً لِشهيدة اَلمسِيح المؤْمنة ومقْتفيًا آثار الشَّهيدة المرْأة السَّامريَّة القدِّيسة فوتيني مع أبْنائها.

حقًّاً أنَّ أَبِينَا اَلْبار فِيلومينوس قد عَانَى مِن الموْتِ اَلشنِيع والرَّهيب فِي دَاخِل كَنِيسَة يَعقُوب رئيس الآبَاء مُصَلياً المزْمور الدَّاوديّ: “إِلَى الدَّهْرِ لاَ أَنْسَى حقوقك، يا رب لأَنَّكَ بِهَا أَحْيَيْتَنِي. لَكَ أَنَا فَخَلِّصْنِي، لأَنِّي طَلَبْتُ حقوقك. إِيَّايَ انْتَظَرَ الخطأة لِيُهْلِكُونِي. ولِشَهَادَاتِكَ فهمتُ. (مزمور 118: 93-94)

إِنَّ اَلخُطاة أيْ الَّذين قُتلوا ” القدِّيس ” كَانُوا ينْتظرون أنَّ يُهْلكوه بِالْبلْطات والْقنابل اليدويَّة، فقد كَانُوا يعْتقدون أَنهُم بِهَذه الطَّريقة يُقدِّمون عِبادة لِلَّه سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ. (يوحَنَّا 16: 2). إن قاتلي البار فيلومينوس لم يفطنوا ويدركوا إِنَّهُ كَانَ مُرْضِيًا للهِ فَأَحَبَّهُ، وَكَانَ يَعِيشُ بَيْنَ الْخَطَأَةِ فَنَقَلَهُ. (حكمة سليمان 4: 10) إلى الحياة الأخرى إلى كنِيسَة أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، (عبرانيين 12: 23).

لِهَذا فَإِن القدِّيس يُوحنَّا الذَّهَبيَّ اَلفَم يَقُول عن شَهادَة الشُّهداء أَنهَا تَعزِية لِلْمؤْمنين.، وعون الكنائس، وثبات المسيحيين، وانهزامُ الموت وبرهانُ القيامة، استهزاءٌ بالأبالسة، توبيخُ الشيطان وتعليم الفلسفة الحقيقية ونبعٌ لكل الأمور الصالحة. فهذا هو السبب أيها الإخوة الأحبة لماذا نكرم تذكار القديسين الشهداء ولا سيما القديس فيلومينوس المستشهد معهم.

نَحْن لَا نَسجُد لِلشُّهداء بل نُكْرمهم عَابدِين حقيقيِّين لِلَّه نَحْن لا نوقر مجرد أناسٍ، بل نعجب بصمودهم الحسن إكراماً لله في اوقات التجارب كما يقول استيريوس أماسياس

يَقُول القدِّيس بُوليكارْبوس أُسقُف سميرْنَا إِنَّنا نَسجُد لِلْمسِيح كابْن حَقيقِي لِلَّه أَمَّا الشُّهداء فأنَّنَا نحْبهم بِحقِّ كتلاميذ اِقْتدَوْا بِالرَّبِّ الَّذين مِن أَجْل مَحبتِهم العظيمة اَلتِي لَا مثيل لَهَا لِلْمسِيح اَلمَلِك والْمعلِّم.

ونحْن أيْضًا نُعْطِي هذَا الإكْرام اليوْم فِي اِجتِماع الشُّكْر الإلَهيِّ لِلْقدِّيس اَلشهِيد فِي الكهَنة فِيلومينوس اَلذِي مِن أَخوِية القبْر اَلمُقدس اَلذِي بِصبْره قَهْر رئِيس الظلام، اَلذِي هُو الشَّيْطان وَنَال مِن اَلرَّب إِكْليل عدم الفسَاد وَهُو يَفرَح ويبْتَهج مع الرُّسل والْقدِّيسين الأبْرار ويمجِّد اَللَّه اَلأَب الضَّابط اَلكُل ويبارك رَبنَا يَسُوع اَلمسِيح مُخْلِص نُفوسَنَا وسيِّد أجْسادنَا وَراعِي المسْكونة والْكنيسة الجامعة المقدَّسة.

خِتامًا نَتَوسَّل مِن شهيد مَحبَّة اَلمسِيح القدِّيس فِيلومينوس مع تضرُّعَات سَيدتِنا الفائقة البركات المجيدة وَالِدة الإله وَأُم اَللهِ، لِيتضرعوا مِن أَجْل نُفوسِنَا إِلى اَللَّه وَمِن أَجْل السَّلَام والْعدالة والْمصالحة وَخَاصَّة لِوَقف نار الحرْب فِي مِنْطقتنَا المعذَّبة، أمين.