بيان رئيس الطائفة الإنجيلية في سوريا ولبنان

بيان رئيس الطائفة الإنجيلية في سوريا ولبنان إلى السوريين من الطائفة الإنجيلية

في ذكرى الميلاد المجيد لا يسعنا إلا أن نشارك فرحتنا مع جميع السوريين وهم يتطلعون إلى ميلاد سوريا جديدة، كانت ولم تزل تشكل حلماً نتطلع إلى تحقيقه.

“المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة”. إنها تحية الميلاد وأمانيه لجميع البشر، حيث لا يكتفي مفهوم إنجيل المسيح للسلام على أنه مجرد توقف الحروب وانتفاء الصراعات، بل هو . سلام شامل لحياة الإنسان والجماعات البشرية قاطبة، رفاهها وحسن حالها. إنه وعد الرب لنا أننا بيسوع المسيح المولود في مذود، لنا بدايات خلاصية جديدة تسودها نعمة الله وغفرانه.

اليوم تطوي سوريا حقبة نلتم فيها حصتكم من إخفاقها في تحقيق وحدة السوريين ومواطنيتهم وتوفير حرياتهم التي كانوا – ولم يزالوا – يتطلعون إليها على اختلاف أطيافهم. لكننا نرنو اليوم إلى المستقبل بعيون يملؤها الترقب والإنتظار الفاعل. فالدماء السورية التي سفكت من أجل الوطن والحرية لا يمكن أن تعيدنا إلى الوراء.

إن النشيد الوطني لسوريا الجديدة يعيد إلى ذاكرة السوريين زمن فخرهم وأسس وحدتهم الوطنية وانتصاراتهم في سبيل الحرية ونيل الاستقلال بعيداً عن الطائفية والمذهبية البغيضة. كيف ننسى أمثلة من أبناء كنيستنا فارس الخوري ونضالاته البرلمانية والوطنية إلى جانب مسلمي هذا الوطن لنيل الاستقلال عن فرنسا. ورفيق سلوم الذي تم إعدامه شنقاً في دمشق إلى جانب وطنيين مسلمين على يد جمال باشا في ٦ أيار ١٩١٦ في نضالهم ضد العثمانيين. “هذه أوطاننا مثوى الجدود الأكرمين، وسماها مهبط الالهام والوحي الأمين…… كل شبر من ثراها دونه حبل الوريد”.

إن تغيير السلطة بأياد سوريّة شكّل مفاجأة سارة للسوريين على أكثر من صعيد، أقلها سرعة تهاوي النظام السابق. والعدد المحدود من الضحايا المدنيين. أما أكبرها تأثيراً فقد كان قرار قيادة العمليات العسكرية أن يرتبط ذلك الانتصار بسلوك الفصائل المعارضة عند دخولها إلى المدن وطريقة تعاملها مع المواطنين، ومستوى الانضباطية
والحرص على الأملاك العامة والخاصة، وطمأنة الناس بعيداً عن أي انتقام. نصلّي أن تكون هذه البدايات مداميك يؤسس عليها لسوريا جديدة تقود الى دولة القانون التي تؤمن الكرامة والحريات والاحتضان لكل أبناء وبنات سوريا على قدم المساواة. لقد تعب السوريون من الحرب والقتل والدماء. وقد حان الوقت لكي نحلم جميعاً بمستقبل أفضل تكتمل فيه تطلعات السوريين إلى نتائج هذا التغيير.

نصلي أن يعين الرب الحكومة المؤقتة وهي تتسلم عبء مسؤوليات هذه المرحلة الانتقالية، وأن يمنحها الحكمة في تثبيت ما تم من إنجازات بالانفتاح والحوار والتواصل مع أطياف السوريين المتنوعة. إن تاريخاً جديداً يُسَطّر اليوم في سوريا مستفيداً من أخطاء الماضي، ومستعداً للولوج إلى المستقبل بسوريا حديثة مرحب بها، داخلاً من شعبها، وخارجاً من المجتمع الدولي الذي ينتظر تطبيقاً للقرار ۲۲٥٤ الذي توافق عليه السوريون مع الأمم المتحدة لرسم خطة الطريق إلى سوريا الجديدة.

ولكم، يا أبناء كنائسنا، أنتم كنائس الإصلاح الإنجيلي التاريخي، وعليه، لا يمكنكم إلا أن تكونوا مع التغيير للأفضل الذي يحتاج صبراً وحواراً وصلاةً لكي يكتمل حلم السوريين. لقد كانت لكم تاريخياً جرأة التغيير في واقع الكنيسة الإداري، وتأكيد انتمائكم إلى جغرافيتها الوطنية خارج أي هرمية أحادية خارجية. لقد كان الإصلاح تغييراً في الكنيسة شدد على حرية الضمير، والتعبير عنه إيماناً وروحانية وعيشاً لابسين المسيح وسلامه. ندعوكم إلى أن تلتزموا انتماءكم لسوريا المستقبل، لا على أساس ديني أو مذهبي. أنتم لستم بعد رعايا لحاكم، بل مواطنون في دولة.

في ذكرى الميلاد نردد “طوبى لصانعي السلام. نسأل الله أن يقيم بيننا صنّاع سلام يعكسون تحنن المسيح وشجاعته ومحبته في سوريا المثخنة بجراح الماضي. إننا نؤمن بإله يحوّل نوحنا إلى رقص ورمادنا إلى جمال. هو إله العدل وإله الرحمة، هو الإله الذي وعد بأنه يأتي يوم حين تتحول سيوفنا إلى محاريث للأرض، ولا ترفع الأمم السلاح بعضها ضد بعض.

حتى يحين ذلك اليوم، ليقوي الرب إيمانكم ويشجع صلواتكم ويعطيكم أن تكونوا يَدَي يسوع وقدميه في عالم يصرخ طلبا للسلام.

له المجد والقدرة والسلطان بيسوع المسيح. كل عام وأنتم وسوريا بخير.

القس جوزيف قصاب

رئيس الطائفة الإنجيلية في سوريا ولبنان