اجتمع صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس وصاحب القداسة البطريرك أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس وصاحب الغبطة البطريرك يوسف الأول بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك وصاحب السعادة الكاردينال ماريو زيناري السفير الباباوي في سوريا مع أصحاب السيادة رؤساء الطوائف المسيحية بدمشق وأصحاب السيادة الأساقفة والآباء الأجلاء وممثلين وممثلات عن كافة الرهبنات المسيحية في دمشق وريفها، وذلك في دار بطريركية الروم الأرثوذكس.
شمل الاجتماع حواراً عميقاً حول الظروف الراهنة والدقيقة التي تمر بها سوريا وطرق دعم ومساندة صمود أبنائنا ومنحهم التعزية والرجاء وسط الهواجس الكثيرة المتعلقة بواقعهم ومستقبلهم، كما والبحث في جوانب الشهادة المسيحية الواحدة في المجتمع والوطن وأمام الرأي العام العالمي، والتشديد على ضرورة التكاتف والتعاضد، وتشكيل لجنة مشتركة لمتابعة الحاجات الناشئة وخدمة الرؤى والتطلعات المنشودة بما يضمن التنسيق المستمر والفاعل لهذه الغاية.
انضم إلى الاجتماع صاحب السعادة السيد غير بيدرسون المبعوث الأممي إلى سوريا، حيث رحب به صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر، وتمّ التأكيد، بحضوره، على أن سوريا لطالما كانت، وستبقى، بلد الشراكة الوطنية بامتياز، لا تقبل بمنطق الأكثريات والأقليات، بل الجميع فيها سواسية أمام الحرية والحق والقانون، مصيرهم مصيرٌ واحد، يجمعهم تاريخٌ مشترك بكل صواعده ونوازله، وتجمعهم محبةُ الوطن وهي المصلحة الوطنية العليا التي تسمو على أية مصالح شخصية أو عرقية أو طائفية. فالمسيحيون ليسوا ضيوفاً في بلدهم، بل هم أبناء الوطن وطيفٌ أساسيّ ومكوّنٌ أصيل من مكوّناته، لهم ما لكل المواطنين من حقوق وعليهم ما على الجميع من واجبات لأجل بناء وطنٍ يحكمه العدلُ والمساواة ويسوده السلامُ والطمأنينة على أساس المواطنة والعيش الواحد لكل أبنائه. الأمر الذي يجب أن يتجلى عملياً في مشاركة وطنيةٍ متكاملة وجامعة في صياغة دستورٍ توافقيٍّ حرّ ديمقراطي للبلاد يضمن، من ناحية، حق المواطنة والمشاركة الفاعلة لكل أطياف الشعب السوري بكل ألوانه وانتماءاته في كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والإدارية العامة على أساس الكفاءة دون أي تمييز في الجنس أو العرق أو الدين، ويكفل، من ناحية أخرى، احترامَ الأديان وقوانينَها، بما فيها قوانين الأحوال الشخصية لكل مكوّن من مكونات الدولة، كما والحرياتِ الجماعيةَ منها والفردية، بما يحفظ مدنية الدولة ويضمن تساوي الجميع بالحقوق والواجبات، عندئذ يصبح الدستور مرآةً تعكس الآمال الشعبية بمستقبل يليق بفكر وتاريخ الشعب السوري.
وأكّد السيد بيدرسون، بدوره، على سروره العميق وتأثره باجتماعه مع مسيحيي دمشق وسوريا، مشدداً على أن سوريا هي بلد الجميع، والمسيحيون بالتأكيد ليسوا ضيوفاً فيها، بل هم مواطنون أصيلون لديهم حقوقهم وواجباتهم. وركّز على أننا نعيش بدايةً جديدة لسوريا، وعادةً ما ترافق البداياتِ الجديدة تغيراتٌ وتحديات، لكن التغيير يكون جيداً عندما يتوجه في الاتجاه الصحيح. وذكر أنه زار أماكن كثيرة والتقى بالكثيرين في الداخل والخارج، والرسالة الأساسية هي أن كل السوريين يجب أن يكونوا سويةً والمكان يتسع للجميع معاً كمواطنين في هذا البلد، وهذا التوجه موجود أيضاً لدى المجتمع الدولي بحسب ما يرى من إطلاعه لمجلس الأمن في جلسته الأخيرة ومن تواصله مع الجهات الدولية المختلفة. المهمة التي أمامنا كبيرة وتوجد مبادئ عامة للنهوض بها وهي تطبيق القرارات الدولية، وخاصة القرار رقم /2254/، والسوريون هم مَن سيقودون المرحلة الانتقالية والمجتمع الدولي سوف يدعمهم. كما أن مسيرة العمل على الدستور الجديد ستكون من مسؤولية جميع السوريين بدعم دولي. العمل جار أيضاً لأجل رفع العقوبات الاقتصادية وإعادة الأعمار، وكرّر بأن المهمة كبيرة، لكن اجتماع اليوم هو رسالةٌ قوية جداً في الاتجاه الصحيح.
اختتم الاجتماع بالدعاء إلى الله أبي الأنوار إلهِ كل تعزية ورجاء ليمسح الألم والقهر والجزع من كل نفسٍ حزينة ومظلومة ومضطربة ويسكب رحماته في القلوب فيجمعها في محبةٍ واحدة لخدمة الإنسان والوطن بأعمالٍ صالحة يشعّ نورُها في العالم أجمع شهادةً لسوريا الأصيلة الواحدة الموحدة.