الأعياد الميلادية: بين البذخ والبساطة… ما معنى الميلاد؟
بقلم الدكتورة باسمة السمعان
مع اقتراب موسم الأعياد الميلادية، تبدأ مظاهر الاحتفالات تتجلى في كل مكان، من الزينة المبهرة إلى الهدايا الفاخرة، ومن الولائم الكبيرة إلى الاحتفالات الضخمة. في المقابل، نجد من يحتفل بهذه المناسبة بروح البساطة والفرح الداخلي، حيث تقتصر الاحتفالات على رمزية العيد ومعناه الحقيقي. هذا التباين بين البذخ والبساطة يثير تساؤلاً هامًا: ما هو معنى الميلاد الحقيقي؟
بالنسبة للبعض، يتحول الميلاد إلى موسم للاستهلاك المفرط والمبالغة في الإنفاق. تُزيَّن المنازل بزينة باهظة، وتُشترى الهدايا الثمينة لإبهار الآخرين. تُقام الولائم الفاخرة التي تُظهر الوفرة، ولكن في كثير من الأحيان، تغيب الروح الحقيقية للعيد وسط هذه المظاهر. يصبح العيد بالنسبة لهؤلاء مجرد موسم للمظاهر الاجتماعية، حيث يتسابق البعض لإظهار قدرتهم على الإنفاق دون أن يعكس ذلك بالضرورة جوهر الميلاد.
على الجانب الآخر، هناك من يحتفلون بروح الميلاد ببساطة، يتزينون بأقل الإمكانيات، ويقتصرون على تجمع عائلي دافئ، أو ربما تقديم هدية رمزية تعبر عن المحبة والتقدير. في هذه الاحتفالات، يتم التركيز على المعنى الروحي للميلاد: ميلاد السيد المسيح الذي جاء ليكون نورًا للعالم ورسالة حب وسلام. البساطة في الميلاد تعكس روح التواضع الذي كان جزءًا أساسيًا من قصة الميلاد الأولى، حيث وُلد الطفل الإلهي في مذود متواضع، بعيدًا عن كل المظاهر الفاخرة.
الميلاد هو أكثر من مجرد احتفال أو مناسبة سنوية؛ إنه رسالة سماوية تجسد المحبة والتواضع والرحمة. في ميلاد السيد المسيح، نرى محبة الله المتجسدة للعالم، إذ أحبنا حتى بذل ابنه الوحيد ليخلصنا. المعنى الحقيقي للميلاد لا يكمن في الزينة أو الهدايا، بل في إعادة اكتشاف قيم العطاء، والتسامح، والمصالحة مع أنفسنا ومع الآخرين.
الميلاد هو دعوة لكل إنسان أن يكون نورًا في عالمه، وأن يقدم الحب بلا شروط، وأن يتذكر المحتاجين والفقراء. هو زمن للتفكير في قلوبنا، وليس في ما نملك أو ما نستطيع أن نشتريه.
لا يعني الحديث عن البذخ والبساطة أن نُدين أحدًا أو نُفضّل فئة على أخرى، بل هي دعوة لإيجاد توازن في احتفالاتنا. يمكننا أن نفرح ونحتفل، ولكن دون أن ننسى الهدف الحقيقي من العيد. يمكننا أن نتبادل الهدايا، ولكن مع مراعاة أن نقدم أيضًا لمن لا يستطيعون. يمكن أن نزين منازلنا، ولكن لنزين أيضًا قلوبنا بالسلام والمحبة.
الميلاد هو هدية سماوية لنا جميعًا، دعوة للعودة إلى جوهر المحبة والسلام. وبينما نحتفل، سواء ببذخ أو ببساطة، يجب ألا نغفل المعنى الحقيقي الذي جمعنا في هذا الزمن المبارك. الميلاد هو نورٌ داخلي لا تعكسه الزينة الخارجية، وفرحٌ ينبع من القلوب لا من كثرة المظاهر. لذا، دعونا نعيش الميلاد كما عاشه الطفل الإلهي: بروح التواضع، العطاء، والمحبة الصافية.