تروما التوقعات: تأثيرها على النفسية والإنتاجية وتقدير الإنجازات بقلم الدكتورة باسمة السمعان 


في حياتنا اليومية، نتعامل مع مجموعة من التوقعات التي تفرضها علينا الظروف، سواء من المحيطين بنا أو من أنفسنا. هذه التوقعات، حين تكون غير واقعية أو مبالغًا فيها، قد تتحول إلى عبء نفسي ثقيل، مما يؤدي إلى ما يُعرف بـ “تروما التوقعات”. هذه الحالة ليست مجرد ضغط عابر؛ بل هي تجربة عميقة تؤثر على نفسية الفرد، ترتيبه لأولوياته، ومستوى إنتاجيته

حين يجد الفرد نفسه مطالبًا بتحقيق مستويات عالية من الأداء أو الإنجازات دون توفير الدعم أو التقدير المناسب، يبدأ شعور بالإحباط والانكسار بالتسلل إلى النفس. هذا الشعور يتفاقم عندما تُقارن إنجازاتك الكبيرة بإنجازات الآخرين التي تُعتبر عادية ولكنها تحظى بتقدير مبالغ فيه. هذا التناقض يولد شعورًا بالدونية وافتقاد القيمة الذاتية

الفرد الذي يشعر بأن جهوده تُعتبر أمرًا مفروغًا منه، يبدأ بفقدان الحافز للمواصلة. والأسوأ من ذلك، أن هذه الحالة قد تدفعه إلى التشكيك في قيمته الذاتية وفي أهمية إنجازاته، مما يخلق دائرة مفرغة من الإجهاد النفسي وعدم الرضا

التوقعات المرتفعة وغير المتوازنة قد تجعل الفرد يعيد ترتيب سلم أولوياته بطريقة غير صحية. عوضًا عن التركيز على ما يجلب له الرضا الشخصي والإنجاز الحقيقي، يضطر للتركيز على تحقيق مطالب الآخرين. هذا التحول يؤدي إلى تجاهل الجوانب الشخصية والمهنية التي تعزز من شعوره بالإنجاز الذاتي.

في كثير من الأحيان، يجد الفرد نفسه منشغلًا بإرضاء توقعات الآخرين، في حين يُهمش اهتمامه برفاهيته النفسية أو حياته الاجتماعية. هذا التشتت في الأولويات يُضعف إنتاجيته وقدرته على تحقيق توازن صحي بين العمل والحياة

أحد أصعب المشاعر التي يواجهها الفرد هو رؤية الآخرين يتلقون التقدير لإنجازات بسيطة، في حين تُهمل إنجازاته العظيمة. هذه المقارنة ليست مجرد مسألة غيرة؛ بل هي شعور بالظلم. عندما يبذل الفرد جهدًا كبيرًا لتحقيق إنجاز ما، يتوقع بطبيعة الحال أن يُقدر هذا الجهد. وعندما لا يحدث ذلك، يشعر بأن جهوده غير ذات قيمة، مما يؤثر سلبًا على دافعيته للاستمرار في العطاء

كيفية التعامل مع تروما التوقعات

إعادة تقييم التوقعات: ضع توقعات واقعية تتناسب مع قدراتك وظروفك، وابتعد عن محاولة إرضاء الجميع

الاعتراف بإنجازاتك: حتى لو لم تحصل على التقدير الخارجي، خصص وقتًا لتقدير نفسك والاحتفال بإنجازاتك مهما بدت صغيرة

تحديد الأولويات: تأكد من أن أولوياتك تعكس قيمك الشخصية وليس فقط توقعات الآخرين

التواصل مع الآخرين: شارك مشاعرك مع الأشخاص المقربين وعبّر عن حاجتك للتقدير والدعم

طلب المساعدة عند الحاجة: إذا شعرت بأن تأثير التوقعات أصبح عبئًا نفسيًا كبيرًا، فلا تتردد في طلب مساعدة متخصصة من أخصائي نفسي

تروما التوقعات ليست مجرد شعور عابر؛ بل هي تجربة قد تؤثر على كل جوانب حياتك. إدراك تأثيرها والعمل على تقليل هذا التأثير ليس ضعفًا، بل هو خطوة نحو حياة أكثر اتزانًا ورضا. فالحياة ليست مجرد سلسلة من الإنجازات لتلبية توقعات الآخرين؛ بل هي رحلة نحو تحقيق ذاتك والعيش بسلام داخلي، مهما كانت الظروف