لم تثنِ حالة عدم الاستقرار مسيحيّي سوريا عن توجيه قلوبهم وعقولهم نحو طفل المغارة. دقائق أو ساعات من التأمّل في هذا الزمن كفيلة بإبعاد المصلّي عن كل اضطراب داخلي أو خارجي، لكنّها لا تبعده عن واقعه بل تعطيه الفرصة كي يراه من منظور مختلف.
أحد أهم النشاطات الروحية الميلادية لهذا العام كان مشروع «لوين؟» الذي أقامه دير الآباء اليسوعيين في حي العزيزية-حلب، على مدار ثلاثة أيام. تبعه أمس الأحد «يوم روحي على ضوء الميلاد».
وشدّد الأب فؤاد نخلة اليسوعي، على أنّ الميلاد ليس واقعة عمرها ألفي سنة نحتفل بذكراها سنويًّا فحسب، بل هو حدث متجدِّد في حياتنا وجزء من واقعنا.
وعن فكرة المشروع وتنفيذه، أوضح أنّ «السؤال الجوهريّ هو كيف يمكننا عيش الميلاد بطريقة تعكس واقعنا وتساعدنا على عيشه بشكل أفضل؟ من هنا ولدت فكرة “لوين؟”، لأنّ الجميع اليوم يسأل عن وجهته وعن ملامح المستقبل».
وأردف نخلة: «هذا السؤال ليس جديدًا؛ فهو سؤال يوسف ومريم في البداية، وزكريا وأليصابات أيضًا، عندما استقبلوا البشارة إذ لم يعرفوا إلى أين ستأخذهم. واليوم الأمر نفسه يتكرّر أمام واقع جديد لا نعرف إلى أين سيوصلنا، وكلّ منّا استقبله بطريقته الخاصة، مثل البشارة التي استقبلها كلّ واحد بطريقة مختلفة».
وعن تنفيذ المشروع شرح نخلة: «كل غرفة من غرف الدير تحولت إلى مشهد يجسِّد الحدث الميلادي بطريقة واقعية، مع نص خاص للتأمّل. وقد صمَّم شباب الدير وشاباته ديكورًا مميزًا لكلّ غرفة، اتسم ببساطته لكنّه يعكس الواقع وتساؤلاتنا الداخلية العميقة بأسلوب إنجيلي عميق. وكان باستطاعة الزائر المجيء والتنقل بين المَشاهد -عددها عشرة- وقراءة التأمّل أو الكتابة في الدفتر الموجود داخل الغرف».
وتابع: «أمّا الأحد، ولكي نتعمّق في الميلاد، أقمنا على مدار اليوم تأمّلات على الطريقة الإغناطية ارتكزت تباعًا على خمسة محاور؛ فبدأنا بالبشارة وكيف تعطى لكل واحد منّا وكيف نستقبلها؛ بعدها الزيارة وعلاقة الفرح التي جمعت مريم وأليصابات، والتي تجمعنا بالآخرين؛ ومن ثمّ الطرق، كطريق بيت لحم وطريق المجوس وغيرهما، وكيف نسلك أحيانًا طرقنا مجبرين وأحيانًا أخرى لرغبتنا بالعثور على معنى لحياتنا».
وختم نخلة مشيرًا إلى المحورين الأخيرين: بيت لحم التي قضى فيها أطفال كثيرون قتلًا من دون معرفة هوياتهم، وهو ما يشبه ما حصل في سوريا. وأخيرًا الميلاد المتجسِّد في هذا الطفل الصغير الذي يحتاج إلى الرعاية (كأحلامنا)، وكيف نحن بحاجة لنرى فيه أنفسنا وهشاشتنا وضعفنا، وفي الوقت عينه اتخاذ زمام المبادرة لخلق ما هو جديد وعدم البقاء متفرّجين.