الأحد الرابع في فصل الأدفنت ومنظومة الفرح بقلم القس سامر عازر

*الادفنت:المجيء

قلّما نفرح هذه الإيام مع ما نسمعه ونشاهده من أحداث يَدمى لها القلب ويكاد يصعبُ على المرء أن يصدِّق أنَّ أموراً تنتهك حرمة الحياة البشرية ما زالت تمارس وببشاعة في عالمنا حتى أنه يتم اغتيال الطفولة والأمومة وحرمة الحياة البشرية وحقِّها في العيشِ الكريم وفي تحقيقِ طموحِ الأفراد والعائلات والمجتمعات. فلا بدَّ من العمل الجاد لوقفِ هذا المشهد الذي بات يؤرّق ليس فقط شرقنا العربي بل العالم بأسره، فهو أي العالم مدعو للعودة إلى أساسيات احترام قدسية الحياة وحق الشعوب والأمم في العيش بأمنٍ وأمانٍ.

وفي ظل هذا غياب نَغمةِ الفرح هذه والتي نصلّي ونعمل أن يستعديها العالم، ويستعيد معها توازنه ويعود إلى رشده ويقّر بحق الشعوب والأمم بالعيش الكريم بحرية وكرامة، علينا أن لا ننسى أن السَّلام الخارجي ينبعُ أولا من السلام الداخلي الذي يولد في أعماق القلب. ومثل هذا السلام لا يتأتى من غير الله وعمل روحه القدوس في حياتنا، فروح الله ضروري أن يدخل إلى قلوبنا لكي نتصالح أولاً مع الله ونتصالح مع أنفسنا يانيا، ومن ثم نكون قادرين أن نعمل حقا من أجل السلام بين البشر وبث الطمأنينة في نفوس الآخرين والفرح.

لقد اخْتَبَرت أليصابات مثل هذا السلام، وهي زوجة الكاهن زكريا ونسيبة العذراء المباركة مريم، في بلدة عين كارم الجبلية عندما أتتها العذراء المباركة مريم من ناصرة الجليل ودخلت بيتها وألقت عليها تحية السلام. تلك التحية لم تكن كأي تحية بل كانت تحية خاصة تبعث في النفس الطمأنينة والسلام والفرح. فسلام مريم انتقل إلى الجنين في بطن أليصابات وهو يوحنا الملقب بالمعمدان، فإرتكض بفرح في بطنها، فالسلام نعمة ربانية تنتشر إلى الآخرين ويفوح عطرها، فما أحلى أن نحيّي بعضنا بعضا بتحية السلام النابع من القلب والذي يجد عمقه في الذات الإلهية.
من جانب آخر، كان لسلام مريم على نسيبتها أليصابات أنْ امتلئت أليصابات من نعمة الروح القدس. فالسلام يُمهِّدُ الطريقَ لروح الله أن يعمرَ القلوبَ وأنْ يلهمها وأن يقودها في دروب الحياة. وبهذا الروح عينه تمكنت أليصابات من البوح بإعتراف إيماني هام بأنّ مريم هي أم الرب والمخلص طفل الميلاد ” من أين لي هذا أن تأتي أم ربّي إلي”. الآن وبقوة عمل الروح القدس أيقنت أليصابات أن مريم نسيبتها قد نالت نعمة وشرف كبير بين كل نساء الأرض بأن تحمل في أحشائها الكلمة المتجسد الذي ظهر في طفل الميلاد يسوع المسيح، فهو الرب والمخلص والفادي الذي تاقت إليه الأجيال وانتظرته البشرية بمخاضٍ عسير. وبمولِدِه جاء ليجدِّدَ وجه الخليقة ويعيدَها إلى الفردوس المفقود وإلى بنوة أبناء الله الحقيقيين.
كذلك كان لسلام مريم على أليصابات ارتداد عليها نفسِها فتغنّت بأنشودة بالمجدلة وعظمت نفسها الرب وابتهبت روحها بالله مخلصها ومخلص البشرية جمعاء قائلة:” تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلّصي”. وأيقنت مريم عملَ الرّب العظيم معها حتى أنَّ البشريةَ جمعاء تُطوِّبُها أي تدعوها مباركة، وعرفت أن رحمة الله تتسع لجميع بني البشر دون استثناء وأن قوته لا يمكن أن يعلوا عليها شيء، ويده قادره أن تصنع العجائب والمعجزات، وقادر أن ينزل المستبدين عن الكراسي وأن يرفع المتضعين، وحده هو القادر أن يشبع الجياعَ إلى البر ويكفي نفوسهم.
فما أجمل سلام مريم الذي انعكس على أليصابات نفسها وعلى جنينها يوحنا وحتى على مريم، فعكس أصالة ذلك الإيمان الذي يؤمن يتحقيق وعود الله “هوذا أنا أمة الرّب ليكن لي كقولك”.